قبل أن نعود لعادتنا القديمة!
تحقيق النجاح في وقت الصفاء والرخاء يُعتبر نجاحاً في بعض المقاييس، ولكن النجاح الحقيقي والذكاء الشديد، بكل المقاييس، يكمن في كيفية توليد النجاح من رحم المعاناة والصعوبات.
ربما تكون الأزمة المالية العالمية التي تعصف باقتصادات دول العالم هي هدية السماء لأهل الخليج بشكل عام، والإمارات على وجه الخصوص، وربما تكون مؤشراً إلهياً لنا لترتيب الأوضاع، وتحديد بوصلة الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة، وبالتالي فإن النجاح الحقيقي لاقتصادنا اليوم يكمن في كيفية استثمار هذه الأزمة المالية وتكييفها لتحقيق فوائد ونجاحات في شتى مجالات التنمية.
دعونا نطوي صفحة الماضي إلا في ما يتعلق بمحاولة تجاوز سلبياته، فالحديث عنه ربما يستغرق سنوات طويلة، لكن من دون فائدة حقيقية تُذكر، نحن الآن أمام تحد صعب لكنه مفيد، لا شك أننا وقعنا في أخطاء عديدة، لكن تعديل وتصويب هذه الأخطاء سيولدان نجاحاً جديداً، المهم أن نمضي قدماً في مجال التصحيح، لقد جاءتنا الفرصة المناسبة لتجعلنا نجلس ونتفكر ونبحث ما كان يجب أن نبحثه قبل 10 سنوات، لا يهم ذلك الآن، لكن المهم أن الفرصة أصبحت مهيأة للهدوء شئنا أم أبينا!
كشف محمد العبار، أمس، عن بعض تداعيات الأزمة المالية على دبي ومنها «تقليص عمليات البناء الهائلة، والعمل على ترشيد الإنفاق، ودمج الأنشطة في مواجهة الأزمة»، وقال: «القطاع العقاري يواجه حالة «تصحيح»، والشركات العقارية الكبرى التي كانت تتنافس في السابق دخلت اليوم في مرحلة تعاون وتنسيق لضبط السوق من خلال التحكم في العرض والطلب». ومجرد وصول هذه القناعة لشخصية بحجم محمد العبار فإن ذلك هو قمة الفائدة الحقيقية للأزمة المالية العالمية.
هذا ما كنا نحتاجه قبل 10 سنوات، لكن التنافس والتسارع والجري لم يدع للمتنافسين فرصة لالتقاط أنفاسهم، فجاءت الأزمة لـ«تفرمل» هذا التنافس والتسارع، الأزمة المالية ستجعلنا اليوم نفكر في ترشيد الإنفاق، وهذا مطلب قديم مهم وضروري أيضاً، تناساه الكثيرون في ظل المنافسة وتوفر السيولة السابقة.. والأزمة كشفت أيضاً مشكلة اتساع الأنشطة الشبيهة، وجري الشركات خلف بعضها في حلقة سباق مفرغة، أيضاً حان الوقت لتفاديها ودمج الأنشطة.. «تصحيح» حالة العقار الذي شابته الفوضى والمضاربة، نتيجة من أهم نتائج الأزمة.. إذن أليست الأزمة المالية هدية السماء لنا بعد كل هذا الجري والسباق التنافسي الشديد؟!
في «دردشة» هاتفية أمس مع وزير - معنيّ بشكل مباشر بما يحدث - قال: «كنا في لقاء مع رئيس دولة خليجية فقال لنا: اكتشفنا الآن أن المنافسة جرتنا إلى أمور كثيرة لم نكن نحتاجها».
وهذا هو المهم الآن، كيف يمكن لنا أن نستثمر الأزمة المالية في تشخيص حالتنا، فمن المهم جداً أن نضع أصابعنا على مكامن الخلل، ونكتشف أخطاءنا، شريطة أن نبدأ في علاجها وتصحيحها قبل أن تهدأ وتيرة الأزمة، وقبل أن نعود لعادتنا القديمة، فنحن العرب - ولله الحمد - أشطر خلق الله في النسيان بسرعة شديدة!