من المجالس
تبدو الأسعار وكأنها شخص اعتلى برجاً، ولما وصل إلى الطبقات العليا سقط الدرَج من تحت قدميه ليبقى الشخص يعانق السحاب، هكذا صوّر أحدهم حال الأسعار في أسواقنا. فلا هي مسألة عرض وطلب، ولا ارتفاع أو هبوط تكاليف التشغيل، ولا أي سبب آخر غير انفلات الزمام في سوق لاتزال ثقافة الاستهلاك في أدنى مستوياتها، واختلال ميزان العلاقة بين البائع والمشتري في أشد حالاته. هذا في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن أزمة سيولة وشبح ركود وانخفاض معدلات التضخم. السلع الاستهلاكية، من الطعام وحتى السيارات، لايزال تجارها يكابرون ويعتبرون أنفسهم خارج معادلة السوق العالمية. فهي إن لم ترتفع أسعارها فعلى مستوياتها العليا باقية.
تذاكر السفر الجوي تنخفض في كل أصقاع العالم، فتصل عندنا لتسير عكس التيار ليتضاعف سعر كيلومتر الرحلة الداخلية بين دول الخليج أضعافاً أخرى عمّا كان عليه، مقارنة مع أسعاره إلى الدول والمدن البعيدة. فيصل سعر تذكرة الحاج من أبوظبي إلى جدة إلى أكثر من ضعفه قبل موسم الحج (4500 درهم). وكأن الزيادة جاءت تجاوباً مع انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من الثلثين ولكن بالمقلوب. والوقود كان دائما هو حجة شركات طيراننا الخليجية في رفع أسعار خدماتها، على الرغم من أنها أقرب إلى مصادر استخراج النفط من حبل الوريد. أسعار الخدمات الطبية هي الأخرى خارج عالم التقلبات في مستويات التضخم وأرقامها. وشركات التأمين تتحدث عن زيادات على الزيادات المتلاحقة التي جعلت التأمين الشامل للسيارات للأغنياء فقط، لأنه أصبح يساوي نصف سعر سيارة قبل سنوات قليلة، أما عيد الأضحى فله شأن آخر. فقد استعدت وزارة الاقتصاد بما يشبه الحرب الوقائية أو الهجوم الاستباقي من خلال تشكيل فرق مراقبة للأسواق، واستدراج التجار لتوقيع تعهدات بعدم رفع الأسعار خلال فترة العيد، خصوصاً أسعار الأضاحي، ومع ذلك فإن الوزارة والناس يضعون أيديهم على قلوبهم تحسباً لمفاجآت التجار واستعداداً لقائمة الأعذار. الوضع بحاجة إلى من يعيد الدرَج إلى مكانه، ليتسنى لمن صعد أن يهبط على قاعدة معايير السوق وشروط المصلحة العامة، لا أن يبقى في العالي ويواصل صعوده حسب معاييره وشروطه الخاصة.