إسلام وسطي
يحاول الباحث وليام بيكر في كتابه «إسلام بلا خوف - مصر والإسلاميون الجُدد» لملمة أطروحات التيار الوسطي الإسلامي وموقفه من إصلاح التعليم والتفاعل مع العالم، إضافة إلى الكفاح من أجل التجديد والاحتفاء بالفنون خصوصاً في فكر بعض رموز هذا التيار.
الكتاب الجديد ركّز على وجود مشروع يتمتع به رموز هذه المدرسة، وكيف أنهم لعبوا أدواراً بالغة الأهمية في الأحداث المحلية والإقليمية، أما النسغ الفكري، وهو الأهم، فيكمن في طرحهم كبديل للمشروعات الإسلامية التي يمكن أن تكون مرتبطة بتجليات الحادي عشر من سبتمبر من خلال إسلام متفاعل مع العالم، أو إسلام لا يثير التوجس والقلق.
والملاحظ هنا أن الكتاب قد استثمر مغزى هذه اللحظة التاريخية، وجاء ليقدم نسخة بديلة للإسلام السياسي تتلمس الوسطية في محاولة للتفريق بين مَن ركزوا على المعتقد الشخصي والطقوس والمتطرفين الذين سعوا لإعادة تشكيل مجتمعاتهم دينياً باستخدام العنف.
ويقف الباحث لكي يؤكد قيمة إحلال الإسلاميين الجُدد مكان الحركات الأصولية المتطرفة، وهو مدرك أن هؤلاء الجدد لا يملكون أساساً تنظيمياً، وأن هدفه رغم الغطاء هو ضرب الدور النشط للحركات الأصولية من خلال العمل على تحسين صورة إسلام وسطي بلا دور، يمكن أن يلقى بعض القبول إن ظل مسالماً.
غير أن اللافت هو أن الباحث الذي ركّز على العنف والاندفـاعات الغليظة لم يتوقف عند أسباب هذا العنف وتلك الاندفاعات، ولم يــدرس الأرضية التي جعلت من المتطرفين يقفون في منطقـة العنف بكل صلابــة خصوصاً أنه نسي جملة من القضايا الكبرى التي يمكن لها أن تؤجج الصراع وتسهم في زيادة العنف.
هل يمكن لأي باحث مهما كانت نيته أن ينكر أن الحركات الإسلامية الموسومة بالتطرف تخبز خبزها على نار فلسطين والعراق وأفغانستان، وأن هذه القضايا مجتمعة تتشكل على هيئة مظلمة في البيان النفسي العربي والإسلامي؟ وهل يمكن أن يقتنع المسلم المهمش والمظلوم بإسلاميين جدد يحتفون بالفنون ويدينون هدر دم نجيـب محفـوظ وسلمـان رشـدي؟ وهل يمكن للإسـلاميين الجدد أن يلعقوا جراح الناس من المحيط الى الخليـج ليقدموا لهـم رفض الغزالي صراحة أن يكون الإسلام ضد الفنون أدباً كان أو رقصاً أو موسيقى أو غناء؟
قد تكون صورة الإسلاميين الجُدد هنا محتفية بالفنون، وهذا يعد فوزاً لمصلحة التجديد، ولكن المسألة هنا تتأجج ما بين الحق والباطل؛ لأن المغزى الأكبر من الاحتفاء بالفنون يكمن هنا في دحر صورة الإسلام المسلح الى صورة الإسلام السمحة أو المعتدلة التي تقف موقف المتفرج من قضايا الأمة السياسية.
فالمدافع عن قضايا أمته قد يُحشر في شبكة «القاعدة»، ولا مجال لأي مقاومة مهما كانت عاقلة أو مسلحة مادام هناك من يستطيع احتضان اتجاه جديد يتماشى مع الرؤى الأميركية والغربية التي حين تسمعنا نتحدث عن حقوقنا تتحدث مباشرة عن الإسلام الراديكالي وما يشكله من تهديد للعالم، مقابل إسلام وسطي بالمعنى الدقيق والمرن لهذا المفهوم.