أقول لكم
حزن غزة مرسوم على وجوه حجاجها، أولئك المتلاعب بهم، صلوا ركعتين وثلاثاً وأربعاً وألفاً، ولم تنفتح لهم القلوب المتحجرة، لم ترفع أصابع الحراس عن أزرار الأبواب المقفلة، ولم تشفع لهم أدعيتهم، وتمازجت ألوان القهر بلون أردية كانت تحمل نية الحج إلى البيت العتيق، غاب بياضها ليتحول إلى سواد عصبية الذين اعتدوا على أخلاق الأشهر الحرم.
في غزة حصار، فلا ماء ولا دواء ولا وقود ولا غذاء، عقاب جماعي من محتل لا يعرف الرحمة ولا يقبل بحلول وسط، وفي غزة أصبحت هوية الإنسان مختصرة في انتماء لحزب أو جماعة واحدة، وقد يسجن، وقد يطارد حتى يصل إلى بوابات الأمن الإسرائيلي فتصطاده رصاصة قناص متحفز، وفي غزه أيضاً تنتشر البدع، وفي البدع ضلالة كبيرة، فلا يستحق أن يذهب إلى الحج إلا من كان ضمن الفريق الأول، فريق الذين يحسبون أنهم على حق والكل على باطل، فيقدم قائمة بأسماء حجاجه، ويمنع من ليس ضمنها، من لبس الإحرام، ولا يباح له أن يلبي مع الملبين، وتقف القوائم عند الحواجز، ويتقاذف المتخاصمون بالحجارة، ولا ترفع الأوامر إرضاء للأمر الإلهي، ويخالف الكل شريعة الله.
من يتحمل الذنب؟ هذا ؟ لا، بل ذاك، أو ذلك، أو أولئك، أو هؤلاء، أو الجميع، بل هم الجميع، إلا الذين لفوا أجسادهم بأحرمة بيض وحملوا نياتهم في اتجاه مكة، هؤلاء ما كانوا يظنون أنهم لعبة سياسية، أرادوا أن يؤدوا فرضاً اعتقدوا أن السبل إليه ممكنة، ولم يستطيعوا إليه سبيلاً، لم ينفعهم مالهم، ولم تنفعهم نيتهم، ولم يستجب أحد لنداءاتهم، تُركوا عند المعابر، وسُدت كل السبل في وجوههم، فمن يتحمل ذنبهم؟ لا أحد، فقط هي النظرة الضيقة تتحمل وزر ما حدث، النظرة التي أرادت أن تبين قوتها من خلال ضعف الحجاج الذين لم يحجوا، النظرة التي جعلت السياسة حائلاً دون إتمام ركن من الأركان، وهي النظرة التي تعيدنا إلى الخلف دوماً، تجعلنا أسرى قرارات لا تحسب حساباً للحق والعدل والمساواة، وأصحابها هم من يتحملون ذنب ما حدث، أما الحجاج الذين لم يحجوا إلى الأراضي المقدسة فلهم الأجر بإذن الله في هذا اليوم، حيث يقف الجميع إلا هم عند جبل الرحمة.