أقول لكم

محمد يوسف

من منا الذي أصابه الظمأ، الأرض أم نحن؟ منذ سنوات لم نرَ أمطاراً مثل التي نشهدها هذه الأيام، ولا تذكرونا بأمطار العام الماضي، فتلك كانت في يناير، وكان دمارها أكثر من فائدتها، ومع ذلك كنا سعداء بها، لكن سعادتنا هذا العام تختلف، فهي تنزل علينا ببشارة نمو العشب واخضرار الصحراء، وموسم رحلات رائع، وقد ترافقت مع عطلتي اليوم الوطني وعيد الأضحى المبارك، فكانت فرصة لجولات على كل الأماكن الجميلة التي مازلنا نتذكرها مع المطر وبعده، ومن تحرك في أي اتجاه لابد أنه وجد إجابة شافية عن سؤالنا، فنحن ربما كنا أكثر حاجة للمطر من الأرض، ولهذا لم ننتظر حتى ترتوي حبات الرمل وتنبت تلك الأعشاب الرائعة في صغرها وألوانها، ولم نحسب عدد المرات التي غسلتنا فيها زخات المطر لنعرف إن كان «الفقع» سيشق الأرض بعد بضعة أسابيع أم لا، رغم أننا نفتقده منذ عقد كامل تقريباً، كل ذلك لا يهم، فقد أكلنا «الفقع» الوارد إلينا من الشرق والغرب، والبركة في الطائرات وحركة النقل التي اختصرت المسافات، ولكننا سنأمل بأن نقضي يوماً أو أكثر بحثاً عن ذلك الفطر الذي ينمو تحت التراب، ويخرج من التراب، وإن بقي مكانه تحول إلى تراب، وإذا أكلناه شكونا من احتوائه على حبات من التراب، فتكفينا صرخة طفل وجد حبة صغيرة تمكنت من شق التراب لتعلن عن نفسها، وفرحة أب علّم أبناءه شيئاً من الماضي المتجدد، ولم ينتظر الناس كل ذلك، لا يريدون أكثر من التجوال في البر ليعيشوا اللحظة التي افتقدوها، وليعلنوا أنهم كانوا أشد رغبة في المطر من الأرض، فتقاطروا على السيوح والوديان، وارتقوا التلال الرملية، وجاوروا الجبال، كل يعشق الأرض على طريقته، فهذا ينصب خيمة، وتلك العائلة تفترش الأرض وحولها أدوات الطبخ و«دلال» القهوة والشاي، وهناك «فريج» متكامل ترك البيوت الضيقة وطرقات الإسفلت والتكنولوجيا ليعيش على الفطرة، أطفاله يتراكضون دون خوف، وشبابه يلعبون الكرة، وكباره يتسامرون بذكريات تختصر الزمان والمكان، ويتضاحكون أن بلّلتهم موجات جديدة من المطر، وكأنهم يتمازجون معه في قصة حب لا تتكرر كثيراً، حب المشتاق، واشتياق المحب، فهذا المطر يروي الإنسان قبل الأرض، والأرض تعطي الإنسان الذي ارتبط بها، فمن كان أشد ظمأً من الآخر؟ نحن أم الأرض؟

تويتر