«سلّم فلوس وما في كلام»!!
سألت «صديقي» تاجر المواشي عن أسباب ارتفاع أسعار الأضاحي، فأجاب «الأضحية قربان من العبد لربه، فعلى العبد أن يقدم أغلى ما يمكن تقديمه، فلا يجوز التقرب بأضحية رخيصة»!!
منطق مقبول ككلام مجرد، أما المتفكر في الأمر فلن يقبل بمثل هذا الرأي، لأن هناك فرقاً كبيراً بين التقرب إلى الله، وبين الاستغلال ورفع الأسعار قبل العيد مباشرة، بسبب حاجة الناس للأضاحي، وهناك فرق بين الشيء الغالي بأصله كالذهب والألماس، والشيء المرفوع سعره «تعمداً» في فترة محددة كخروف العيد!!
ولو أخذنا بهذا المنطق، فإننا لن نستطيع إيفاء الخالق عز وجل ولو جزءاً بسيطاً من أفضاله علينا. حتى لو تقربنا إليه بأطفالنا، وأعتقد أنه لا يوجد أغلى من الأولاد، أما قصة شراء أضحية غالية لأنها قربان، فإنها لا يمكن أن تدخل العقل إطلاقاً، خصوصاً أن عملية رفع الأسعار استغلالاً لحاجة الناس شيء ليس من الإسلام في شيء!!
«فوتنا» قصة ارتفاع أسعار الأضاحي، ذهبت إلى مغسلة السيارات لأفاجأ بزيادة قدرها 10 دراهم، سألته «لماذا؟ لقد غسلت السيارة قبل يومين بسعر، والآن هناك سعر جديد»، قال لي كلمتين من دون أي إضافة أخرى «هذه أسعارنا» والمعنى في بطن الشاعر واضح للغاية، وهو «إذا مو عاجبك اشرب من ماي المغسلة»!!
لم أجد بداً من غسل السيارة، فلا يمكن العودة بعد أن وصلت إليها بشق الأنفس من جراء تزاحم السيارات، قلت في نفسي «يعني جت على 10 دراهم، على الأقل أحسن من أضحية العيد»، نزلت من سيارتي فلمحت صالوناً للحلاقة، ذهبت اليه فوراً لأستغل فترة الانتظار في شيء من لوازم العيد، انهيت حلاقة «اللحية» التي لم تستغرق 15 دقيقة، فوجئت بعدها بالحلاق وهويطلب 20 درهماً!! أنا لم أحلق غير «اللحية»، ولم يتكلف هذا الحلاق سوى «موس» لا تتجاوز قيمة «الكرتون» منه 15 درهماً، ليس هذا فحسب بل أقسم بربي إني شاهدت «هندياً» يحلق شعره ولحيته ولم يدفع سوى خمسة دراهم، قلت له «والله القصة ليست في الـ20 درهما، واذا طلبت 200 درهم سأعطيك إياها، بس ممكن تفهمني ليش؟» قال لي بلكنة «عربستانية» مليئة بالحدة وبنظرات الازدراء «أنت في نفر أرباب كبير يسوي سوال منشان 10 درهم؟» أجبته «نعم، طبعاً، أريد أن أفهم هل صالونك مختلف عن بقية صالونات الحلاقة التي أعتدنا الحلاقة فيها»، زادت نبرة صوته وحدة نظراته وقال «20 درهم سلم وخلاص ما في كلام».
منطق مقبول بالفعل، «سلم فلوس وما في كلام» هو المبدأ الذي يجب أن نسير عليه، لأن كل شيء معرض للزيادة في لمح البصر، وعلى حسب المزاج!!
ثم «كم بنتكلم؟» هل سنظل نجادل عند شراء أي من حاجياتنا وأساسياتنا وكمالياتنا؟ وماذا يمكن أن ينتج عن هذا الجدل؟ وما الذي يمكن أن يفيد فيه الكلام، ونحن في ظل سوق مُسَيطر عليها من قبل أشخاص، ولا يمكن لأي قوة دولية ضرب هذه السيطرة، والله المستعان، فعلاً ليس أمامنا سوى «دفع ما يُطلب منا عن يد ونحن صاغرون»!!