أقول لكم
لم تتكدّس العمالة الأجنبية في بلادنا بناء على تعاطف حكومات دولها مع احتياجاتنا، ولم تلجأ إلينا حبّاً بنا، بل جاءت بقصد تحسين حالها المعيشية، وللخروج من قاع الفقر في بلادها، وقد صادف أننا في الخليج كنا نمرّ بمرحلة تنمية شاملة تحتاج إلى أيد عاملة، كانت الدول الأقرب تفيض بتلك الأيدي الرخيصة وغير المدرّبة التي لم تصدّق نفسها عندما توافرت لها فرص الحياة الكريمة والشريفة والمحترمة، وابتزتهم حكوماتهم من خلال رسوم مغادرة واستخراج جوازات سفر وتحويلات رسمية للمدخرات، واضطر أغلبهم إلى أن يرهن بيته أو أرضه الزراعية البور أو بقرته الحلوب حتى يسافر، وكان أغلب العمال في الدول الأكثر فائضاً يعانون من الاضطهاد والتمييز عوضاً عن البطالة، ولو تعمّقنا في الحياة الاجتماعية لتلك الدول، لاكتشفنا أن فيها من يعيش على «أعراف» القرون الوسطى، من حيث فرز السكان وتصنيفهم بحسب الدرجات والمستويات والأصول والمعتقدات، وتمييز بينهم بشكل واضح كذلك، في الحقوق والامتيازات وشغل الوظائف أو ممارسة الأعمال، حتى إن إحدى الدول لديها طائفة تقدر بالملايين وتسمّى «طائفة المنبوذين»، وعند غيرها يسمح للعائلة الميسورة أن تقتل «عروس» ابنهم حرقاً إن لم تمنحه مهراً مناسباً ولائقاً بمكانتها. وعند غيرها مازال هناك «رق» أي عبودية، فتجد شخصاً يملك قرية بكاملها، بمن فيها وما عليها، من بشر ودواب وشجر وتراب، ويعمل الابن خادماً منذ أن يبدأ المشي وحتى يموت، لأن والده كان كذلك. وعند البعض الرابع عنصرية تسلب حقوق المواطنة التي يُفترض أنها لا تفرق بين الجميع، وتنتج عنها حروب أهلية ومذابح بحسب الهوية.
هكذا هي حال العمالة الأكثر عدداً الموجودة في دول الخليج. هناك ـ في بلادها ـ تموت جوعاً، تتسول، تعيش على الفتات، تموت برداً في الشتاء، وحراً في الصيف، لأنها لا تملك مأوى يؤويها، والمحظوظ يعيش في بيت من «الكارتون»، ليس في الغابات، ولكن في طرقات المدن الكبرى، ولن أسمّيها، لأننا نعرفها جيداً، وكنا مع كل منظر تنفطر قلوبنا، ونسأل عن حكومات تلك الدول، كيف يهنأ لها بال وتنام الليل والناس يفترشون الأرض؟ واليوم أيضاً نسأل، أهكذا تُجازى الدول التي فتحت أبوابها لهؤلاء العمّال؟ وهل المطلوب منّا نحن أن نلتزم بالعهود والمواثيق الدولية الغائبة في بلادهم؟!