«حفلة التيس»

يوسف ضمرة

لن أكتب عن هذه الرواية في هذا الحيز الضيق. ويكفي أن أقول إنها للكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا.

وهي ليست الرواية الأولى التي تتناول شخصية الديكتاتور في أميركا اللاتينية، حيث سبقتها «السيد الرئيس» للكاتب أستورياس، و«خريف البطريرك» لماركيز، إضافة إلى ما كُتب من روايات ومسرحيات وقصائد في أميركا اللاتينية وإفريقيا.

وشخصية الديكتاتور كما جاءت في«حفلة التيس» مرعبة، تتحكم في سلوكها عوامل عدة، لكنها في نهاية المطاف لا تخرج عن سياق أعراض الأمراض النفسية.

وإذا كان ثمة كُتاب في العالم عرفوا هذه الشخصية أكثر من غيرهم، فهم الكتاب والأدباء العرب. ولكن الغريب، هو أن الأدب العربي يخلو من هذه الشخصية، ولا يأتي عليها من قريب أو من بعيد.

يكتفي الكاتب العربي في أحسن الأحوال بتصوير مناخات القمع البوليسي، واضطهاد المواطن، وكأن مناخات القمع هذه، واضطهاد المواطنين، مجرد سلوك أو نزوة مسؤول في الأمن أو الجمارك مثلاً. أما السجون التي يتحدث عنها الكاتب العربي، فربما تكون مؤسسات خاصة ربحية، أو أماكن لتسلية السجانين والجنود وقساة القلوب.

في «حفلة التيس» صورة للديكتاتورية العربية، كما لو أن الكاتب يتناول بلداً عربياً، ولكنه قام بتغيير الأسماء، بدءاً من الديكتاتور، ووصولاً إلى أتعس امرأة أو أشقى رجل بسيط يتم إلقاء جثته في البحر، مروراً بمسؤولي الأمن والمخابرات والشرطة والإدارات العامة.

وفي «حفلة التيس» نشعر بقهر من نوع خاص ومميز؛ لأننا نشاهد أنفسنا البريئة وهي تتحول إلى مادة دسمة للدسائس والمكائد والمراقبة والشك والملاحقة. لا لشيء سوى حرص البنية الديكتاتورية بأجهزتها كلها على مزاج الزعيم وراحته ومتعته وهناءته.

ربما يقول المواطن الغربي وهو يقرأ هذه الرواية: يا حرام! أو: يا إلهي! ولكن المواطن العربي حتماً سيقول: آخ. وربما سيئن وهو يقرأ هذه الوقائع، وربما تصطك أسنانه خوفاً، وربما يصرخ أو يخرج إلى الشارع لاستنشاق بعض الهواء الذي سيقل حتماً حين القراءة. ولكنه في نهاية المطاف سيبكي قدره ومصيره المحتومين.

والسؤال هو: لماذا لم يقترب الكاتب العربي من هذه الدائرة؟ والجواب هو الخوف.

ولكن ما هو أكثر أهمية من ذلك هو انصراف الكثير من كتابنا العرب إلى لعبة الإبهار اللغوي والتقني، وإهمال العنصر الرئيس في الرواية وهو الحكاية، على الرغم من أن العرب من أوائل الشعوب التي حاكت الحكايات. وعلى الرغم أيضاً من أن الحكايات في الواقع الموضوعي فيها من الغرائبية والدهشة ما لا يستطيع الكاتب العربي أن يتخيله، ولا حتى أن يلحظه ويسرده علينا أدبياً.

الكاتب العربي يسعى إلى إرضاء الناقد لا إلى إشباع حاجته الجمالية والمعرفية في خلال السرد. ولكنه لا يعرف حتى اليوم، أن مصير هذه الكتابات ـ معظمها ـ إلى نسيان. وأن الحكاية سوف تعود إليها قيمتها الأولى ذات يوم، بعد أن يدرك والقارئ معاً أنهما سئما هذه اللعبة السخيفة.

فلا يُعقل أن يُصاب الروائي العربي بالدهشة والإعجاب بعد «حفلة التيس» مثلاً، ثم يواصل لعبة الإبهار والعزف على وتر اللغة، راكضاً نحو فرادة وتميز زائفين. ولنتذكر جيداً أن رواد «اللارواية» أو رواية «الضد» في فرنسا مثلاً، غادروها بعد شوط قصير.

damra1953@yahoo.com

تويتر