من المجالس

قطَع العدو الصهيوني على المسلمين سكينتهم في ذكرى الهجرة النبوية الشريفة بحفل دموي صاخب كشف حجم التردي في الموقف العربي الرسمي، ودرجة الاستسلام لأسباب الانحطاط ودواعي الانكسار. حرب على غزة كانت متوقعة، لكنها فاقت كل التوقعات في درجة وحشيتها، ومستوى إرهابها، وانكشاف أطرافها. فقد اختار العدو ذكرى يوم الهجرة عند المسلمين، ويوم السبت اليهودي ليباغت غزة المخنوقة بمحيطها العربي، والمحاصرة بتوافق عربي، والجائعة على حافة الموائد العربية. وأنزل حميم نيرانه على بيوت غزة المتهالكة، ومؤسساتها المتداعية، وأحيائها الخالية من أسباب الحياة الآدمية، وأراق من الدماء ما لم يفرق فيها بين عسكري ومدني، ومقاوم أو عابر سبيل. ثم شرب نخب الاحتفال وهو ينظر ساخراً إلى الارتباك في الموقف العربي السياسي الغائب أصلاً، ويرمق فرحاً الموقف الأميركي والأوروبي المؤيد ظاهراً، دونما حاجة إلى باطنية سياسية لا مبرر لها. تبدو حرب القضاء على المقاومة في غزة وهماً، كذلك الوهم الذي ورّط الكثير من الأطراف فيه على الساحة اللبنانية، لتنتهي المعركة بدمار وقتل والمزيد من الانكشاف لما يسمّى بثقافة السلام المشبوهة، وتبقى أطراف اللعبة باقية دون تغيير، لكن بعد أن يزداد الطين بلّة، ويزداد الطريق انسداداً وتنفتح أراض ومواقع جديدة لصناعة اليأس وزراعة الغضب.. ليس في فلسطين أو لبنان وحدهما، بل في كل المحيط المرتبط برباط التاريخ والجغرافيا والإرث والدين مع ذلك المكان المقدس وتلك القضية التي تأبى أن تتراجع عن الموقع الأول رغم كل الحروب، وكل المبادرات، وكل الخرائط، وكل محاولات ترتيب الأولويات وغسل الأدمغة. غزة تقف اليوم شاهداً على فصل جديد من فصول التاريخ العربي والإسلامي. وسيروي الشاهد حكايات شخصيات اللعبة وأبطال المرحلة، كل حسب الكرسي الذي اختار الجلوس عليه والمكان الذي آثر أن يقف فيه ليشارك في صناعة هذا الحدث التاريخي وطبيعة المنتج الذي سينتج بأيدي «صناع التاريخ». وربما تتغير كراسي، وتتبدل أوضاع، لكن غزة وفلسطين ستبقيان الفصل الرئيس والقصة الأولى التي لا تصل إليها أيدي التحريف وإن اجتمع كل أهل الأرض؛ لأنها ثابتة بنص السماء.

 

Adel.m.alrashed@gmail.com

الأكثر مشاركة