دم غزة
ليل غزة يليّـل أكثر، والدم يفيض بحراً آخر على بحر غزة. والعتمة هناك تعتم أكثر، والشهداء في كل مكان يحتضنون التراب ولا يغطيهم سوى سماء الدخان. غزة التي يحاصرها العدو الصهيوني منذ ١٩ شهراً، لخنقها قبل قتلها بالصواريخ والطائرات الأميركية، غزة التي حاصر الاحتلال الحياة فيها، ظن أن هذا الحصار يمكن أن يؤدي إلى «راية بيضاء»، واصل قتله لأبناء الشعب الفلسطيني، ولم يجد سوى الأكفان البيض التي تضمخت بدم الشهادة.
الليل يليل أكثر في غزة، والجحيم يزداد لهباً والدخان يسدّ زرقة السماء الوحيدة هناك، في تلك الأرض التي تدافع عن شرف الأمة العربية.
غزة تغرق في الدم، تتلقى كتل الجحيم في ليلها ونهارها، وحيدة إلا من الأمل، وحيدة في أقصى الصراخ، وحيدة كأنها في آخر الأرض، تلملم أشلاء شهدائها وتذرف دمعة، وتضمد جراح أبنائها وتذرف دماً.
غزة تحت النار الإسرائيلية تنزف وتحترق، في مجزرة يشيب من هولها الرضع، ويبكي الحجر.
غزة التي تصرخ تحت حرب الإبادة، تمدّ يدها إلى خارج حدودها، لكن لا أحد.
جثث الشهداء في كل موقع، والجرحى لا مكان لهم في المستشفيات، والأطفال ينامون على جوعهم ويلتحفون الموت الذي يدهمهم من كل صوب، والحدود لاتزال حدوداً، مغلقة.
ليل غزة يتراكم في الطرقات، والبيوت تهوي على أصحابها، ودخان الجحيم الإسرائيلي يتصاعد من تلك الأرض العربية، والعدو لا يتوقف عن شهوة الدم، طائرات تقصف البيت والمستشفى والمسجد والجامعة، ولا لون يعلو على لون الدم.
بدلاً من رغيف الخبز، يتلقى أهل غزة القذائف، وبدلاً من الدواء يتلقون القتل. هذه هي مكافأة العدو لمليون ونصف المليون فلسطيني محاصرين بالنار والجوع والعتمة، ومحاصرين بصمت الإخوة المريب، في حين طالب رئيس نيكاراغوا، أورتيغا، بوقف الجرائم الإسرائيلية، وأصدر بياناً رسمياً قال فيه: «أطلب من المجتمع الدولي من هنا، من نيكاراغوا، وباسم شعبي، بذل كل الجهود الممكنة لوقف تلك الأعمال الإجرامية التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني».
العدو الصهيوني يصب جحيمه على غزة، ويستدعي قوات الاحتياط، ويسوّر القطاع بالدبابات والمدرعات لينقض على من تبقى، والعرب يتفرجون، كما لو أنهم أمام شاشة تلفزيون، عرضها غزة وطولها السماء، تعرض فيلم «رامبو» الأميركي.
إلى هذا الحدّ وصل الصمت، وإلى هذا الحدّ وصل الموت. ماذا سيحدث حتى يتحرك الدم في العروق العربية؟! وماذا ينتظر العالم «المتحضر» حتى يتحرك لوقف الإبادة.
العورة انكشفت تماماً، وبوضوح لا يقبل أي التباس، ولم تعد هناك أي ورقة توت للنظام الرسمي العربي، سقطت كل أوراق التوت، وسطعت الشمس على مشهد مكتمل. لكن ليل غزة يليل أكثر، ودمها يفيض يفيض يفيض.