هجري.. ميلادي
مازلنا نشكو احتفالاتهم بأنها صاخبة ومبالغ فيها في الوقت الذي نبدو نحن فيه بمنتهى الجمود والسكون حين تأتي احتفالاتنا الدينية.. تَقدُم سنة هجرية جديدة وكثير لا يعرف أي سنة أقبلت وأي سنة أدبرت، وليس له حظ فيها سوى يوم العطلة الذي يكاد يُشعرك بمقدم سنة جديدة.
هل هي نظرية التبعية للغرب والانبهار بكل ما يأتي به أو يفعله أو يفلسفه؟! رُبما، وربما ذهبت لأبعد من ذلك وساندنا وجهة نظره بأنها مسألة «بزنس» من أجل استغــلال أي مناسبة كفرصة تسويقية تشجع على تصريف بضاعة مكدّسـة والترويـج لمزيد من الاستهلاك. فقدوم عام ميلادي جديد يبدو فرصــة حقيقيـة في العالم بأسره لتجارة متنوعة تتباين مظاهرها وصــورها في أدوات وسلع تتجدّد باستمرار.
هي لغة السوق إذاً التي فرضت أبجديتها في كل الطقوس والمناسبات وأفرزت فكرة الشراء والهدايا، ولعل الفرصة مواتية لدينا لمحاولة إيجاد لغة تتداخل مع مفاهيم السوق من أجل خدمة أهدافنا الأساسية المتمثلة في غرس قيمنا الإسلامية والأخلاقية فيمن حولنا، والنجاح هنا يكمن في الوعي بما يحدث حولنا وتطويعه ليتماشى مع ما نريد والتأسيس له ودعمه خدمة لقضايانا ومصالحنا.
كم منا في هذه المناسبة استعاد قصة الهجرة، وهي الرحلة المفصلية في تاريخ الأمة التي كانت سبباً في انتشار الإسلام في أصقاع الأرض، وهي التي غيّرت وجه التاريخ وشكل الجغرافيا وأسست لحضارة المسلمين. فمثلما نعرف جميعاً متى ينتهي العام الميلادي ومتى يبدأ، فلابد أن تكون معرفتنا بالعام الهجري أقوى، دعماً للهوية والتاريخ واللغة وتفاصيل أخرى كثيرة تعلقت به واستطاعت أن تكون حاضراً متواصلاً في حياتنا.
فلماذا لا يكون الهجري والميلادي بذات التأثير والمعرفة والإدراك؟ وماذا يضيرنا لو أن العلم بالتقويم الهجري كان عميقاً ومتأصلاً لدى الصغار والكبار، فالثراء والزخم اللذين تزخر بهما أشهر السنة الهجرية فيهما الكثير من الأصالة والانتماء، ومحاولة الارتباط بالهجري يعكس بالضرورة وعياً بما نكون، وبماذا يجب أن نرتبط ولماذا.