هواة «التأليف»!
في جلسة «شبابية» قال أحدهم: «بسبب الأزمة المالية هناك «رنج سبورت» جديد، قطع مسافة 1000 كيلومتر فقط، وصاحبه يطلب فيه 120 ألف درهم فقط، ومع ذلك لم يجد من يشتريه منه إلى اليوم»، قاطعه شخص آخر مبدياً اهتماماً كبيراً بهذا العرض المغري، وأصر على الرجل أن يقوم بالاتصال بصاحب «الرنج»، لأنه ينوي شراء هذه السيارة فوراً، وبعد الإلحاح، تم الاتصال فكانت المفاجأة التالية، أولا: لا يعاني صاحب السيارة من أي أزمة مالية. ثانياً: الرنج المعروض للبيع ليس جديداً بل «موديل 2006». ثالثاً: «الرنج» عادي وليس «سبورت». رابعاً: قطع مسافة لا تقل عن 20 ألف كيلومتر. خامساً: أسباب البيع تكمن في أن صاحب السيارة يريد شراء سيارة جديدة!
هذه القصة القصيرة جداً، هي للأسف الشديد أنموذج حي لكيفية صناعة الشائعات التي تنتشر بشدة، وبسرعة، وبأساليب متنوعة، وبـ«سذاجة» في كثير من الأحيان، وزادت حدتها في الآونة الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية ومستجدات الأزمة المالية العالمية التي تطغى على كل حديث.
أصبح المناخ العام فرصة ذهبية للتأليف والإبداع في خلق القصص والأحاديث والمواقف التي لا أساس لها من الصحة، واستحداث فصول جديدة على كل خبر صغير ليصبح كبيراً، بعد إضافة ما يمكن إضافته من «رتوش» و«بهارات» ولوازم الكذب والمبالغة.
هناك من يفتخر «كونه» مصدراً مهماً للأخبار، وتحت هذا البند يعطي لنفسه صلاحيات واسعة في نقل كل ما يمكن نقله من قصص وأخبار وقرارات، بعد أن يُطلق لخياله العنان في تأليف ما يمكن تأليفه، وما لايمكن، فيبادرك بالقول: «واحد من الربع قال» أو «خبِرني واحد»، ويتبع ذلك بكثير من الأيمان الخفيفة والمغلظة، بدءاً من «وراس أمي» إلى «ورب الكعبة»، لتكتشف بعدها أن الموضوع ما هو إلا شائعة من آلاف الشائعات!
السؤال «المحير» هو: لماذا يصر البعض على ترديد هذه الشائعات التي تضر بالبلد والمجتمع، وتسهم في رسم صورة خاطئة تنطوي على تشكيلها مخاطر فردية وعمومية، واجتماعية ومجتمعية؟ لماذا يصر البعض على المساهمة في إلحاق الضرر ببلده، أو بالبلد الذي يعيش فيه ويحصل منه على رزقه ورزق أولاده وعائلته؟
المسألة غير مرتبطة بجنسية، وترويج الشائعات أمر لمسناه لدى بعض المواطنين، كما لمسناه لدى بعض الوافدين، لكن الحيرة الحقيقية تكمن في الدافع الحقيقي من وراء تناقل الكذب، والإضافة عليه بشكل أو بآخر، ومن المستفيد من ذلك يا ترى؟! ومتى سنصل إلى ثقافة نبذ الشائعات من خلال قطع حبل أفكار التأليف على هواة «الإبداع» المسموم؟!