أيتام

للطفل في العالم تمتد مساحات خضر ليلعب ويمرح ويكبر، وتكبر معه أحلامه، في روضة تمتلئ بالألعاب والكتب المصورة، وبيت صغير وسرير نظيف ورغيف خبز وحضن يغفو فيه حين يتعب من اللعب، حضن أمه وحضن أبيه وحضن جده وحضن جدته. للطفل تشيّد الحدائق، وتصطف الزهور من كل الألوان في جنباتها، لتشبع عيناه من جمال الطبيعة، ليركض في تلك المساحات الآمنة مبتسماً وهو يمسك خيط بالونات ملوّنة تتطاير مثل فراشات في حقل.

للطفل في العالم يكتب مبدعون قصصاً تثير خياله، ويعكف خبراء على إعداد مناهج لتعليمه، ويبتكر فنانون ألعاباً له تنمّي إدراكه، وتنتج آلاف المصانع لذلك الطفل ملابس مبهجة وألعاباً مسلية ومعلمة معاً.

لذلك الطفل أيضاً، تبتكر مقاعد للأكل، وأخرى للجلوس في غرفته الملوّنة، ومقاعد في السيارات. وتواصل الشركات المنتجة أبحاثها لتعزيز عناصر الأمان والسلامة في المقاعد والألعاب والملابس، وتحدد الأعمار المناسبة لكل لعبة، وترفق قائمة من التعليمات لتفادي وقوع أي حادث يتسبّب في ضرر لذلك الطفل أو يودي بحياته.

لذلك الطفل تجرى أبحاث حول تطوير قدراته الذهنية ومواهبه وتعلمه اللغات والمشاركة والتفاعل مع زملائه في المدرسة. كما تجرى أبحاث للوصول إلى الغذاء الصحي المناسب لنموّه بشكل سليم. وتُقام حملات توعية لأهله، ليحرصوا على تطبيق برنامج التطعيم له، ولمختلف الأمراض، حتى تزداد مناعة جسمه. ولذلك الطفل تنظم مهرجانات وبرامج وورش عمل في الرسم والتلوين والموسيقى، لتزداد روحه إشراقاً، وتصبح شخصيته متوازنة.

لذلك الطفل تؤسس جمعيات لحمايته ورعايته ومتابعة حالاته، كما تسنّ قوانين لحقوقه في الحياة الكريمة والتعليم المتميّز والغذاء الصحي واللباس النظيف، ومعاقبة من يحاول الإساءة إليه من قريب أو بعيد، وتحريم تشغيله أو استغلاله في أي شكل من الأشكال، وتجريم إشراكه في أي نزاعات أو حروب.

ولكن، أي طفل ذلك الذي تقوم الدنيا ولا تقعد إن مسّه أحد بسوء؟ هل هو من فلسطين أم العراق أم أفغانستان؟!

هل ذلك الطفل من بلادنا العربية، أو من إفريقيا، أو ممّا يسمّى «العالم الثالث»؟!

اليوم يحتفل العالم باليوم العالمي لأيتام الحروب، الأيتام الذين لم يعد لهم حضن دافئ يأوون إليه، ولم تعد لهم كلمة «بابا» أو «ماما»، لأن الحرب محت تلك الكلمة من قاموس اليتيم الذي يتأتئ بكلمة «ماما» كلما دهمه ليل، مثل ليل غزة الآن الذي يفيض دماً.

في اليوم العالمي لأيتام الحروب يحتفل الاحتلال الإسرائيلي بطريقته الخاصة، من خلال صبّ جحيم قذائفه براً وبحراً وجواً على أطفال غزة وآبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم وأعمامهم وأخوالهم وجيرانهم وأصدقائهم ومدارسهم ومخابزهم وبيوتهم وشوارعهم وكتبهم وأحلامهم وصراخهم وليلهم ونهارهم.

الآن، يحتفل العدو باليوم العالمي لأيتام الحروب بتزويد الأرض بأعداد كبيرة من الأيتام الجدد.

ali.alameri@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة