من المجالس

لطمس الحقيقة لابد من فقء عيون راصديها. والصحافيون هم دائماً هدف أعداء الحق وكارهي الحقيقة. وصحائف الاتهام، في زمن الفضاء المفتوح والإعلام المتمدد، لا تقتصر على جهود المخبرين ودهاء رجال القانون وتحريات أجهزة الأمن فقط. وكتابة هذه الصحائف لم تعد تحتاج إلى آثار جنائية يبحث عنها الخبراء في مجاهل مسرح الجريمة، خصوصاً إذا كانت الجريمة هي عدد لاحصر له من جرائم الحرب، والآثار تصل إلى سمع وبصر وفهم كل العالم على الهواء مباشرة.

إسرائيل عرفت على الدوام تأثير الإعلام في رصد الحقيقة أو حتى ليّ ذراعها، وقد كانت على الدوام صاحبة نظرية الإمساك بخيوط لعبة الإعلام، عبر «لوبياتها» المنتشرة في كل مكان من العالم، ولكن هذا الاحتواء وذلك الحصار لم يكن ليستمر في ظل انفتاح الفضاء على مصاريعه، وتسرب تفاصيل الحقيقة إلى الرأي العام في العالم. وقد عمدت بعض وسائل الإعلام الغربية في البداية إلى إخفاء آثار الجرائم الصهيونية في غزة، عبر الامتناع عن نشر الصور وبث المشهد عن قرب، مكتفية بصور ومشاهد عن بعد تحكي حرباً بين طرفين متكافئين، ولا تفضح جرائم لرابع أقوى جيش في العالم ضد مدنيين عزّل، قتل منهم وأصيب أكثر من ألف طفل، وبشكل وحشي تجاوز حدود القتل إلى التشويه والتمثيل.

وأمام دخول الإعلام الحر من سيطرة قوى الضغط الصهيوني على خط التغطية وبث الحقيقة بانت الجرائم للعالم، وانكشفت الحقائق للرأي العام العالمي، وبدأت لوائح الاتهام تكتب نفسها عبر مشاهد القتل والدمار، الأمر الذي نقل معه الصورة إلى داخل الكيان الصهيوني وبين شرائح رأيه العام وقواه السياسية، فأصبح الإعلام وسيلة ضغط قوية مدعومة بقوة الحقيقة. ولذلك كان لزاماً اعتبار هذا الإعلام هدفاً من أهداف الحملة العسكرية، فكان لابد من قصف مكاتب ومقار وسائل الإعلام العربية والعالمية، وإسقاط بعضهم ضحايا ليكونوا بمثابة رسالة واضحة وحازمة للآخرين بأن القادم أسوأ.

ولكن الصورة وصلت قبل الرسالة المسمومة، والحقيقة ظهرت، ولائحة الاتهام أصبحت شبه جاهزة تنتظر وضعها في ملف القضية. فقد غاب عن جنرالات إسرائيل أن الصحافي لا يتخلى عن كاميرته وقلمه وإن سقط السلاح من يد حامله.

adel.m.alrashed@gmail.com

الأكثر مشاركة