من المجالس

عادل محمد الراشد

في مشهد أردوغان- بيريز كان عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، مشهداً بذاته، كان كصورة مكملة من مشهد عام. ولكن وبتركيز أكثر لعدسة العيون على الطرف الأقصى من المشهد كانت الصورة المتوارية خلف صخب المجادلة الشهيرة تحكي قصة طويلة وممتدة الجذور اختزلها موقف سريع أو تصرف طارئ قام به الأمين العام.

شعرت بالشفقة على الرجل لشدة وقوعه ضحية الموقف العربي العام الذي وضع نفسه فيه. فقد كان يبدو ممزقاً بين إملاءات قناعاته وإملاءات منصبه. وكم قيل إن عمرو موسى أتى من زمن العزة والكبرياء العربي في مرحلة الخضوع والخنوع، وأحسبه كذلك. وكم أثار ساسة وقادة العدو الإسرائيلي من حملات عدائية ضد موسى عندما كان وزيراً لخارجية مصر، واصفين مواقف وتصريحات الرجل بأنها رياح ساخنة قادمة من وادي النيل.

وفي العدوان الصهيوني الأخير على غزة كان عمرو موسى كمن يمشي على حد سيف قاطع بجهد جهيد للمحافظة على القناعات، من دون مخالفة ما للمنصب من إملاءات. وظهر ذلك جلياً في خطبته الشهيرة والمكتوبة بعناية فائقة، والتي ألقاها أمام الاجتماع الوزاري لمجلس جامعة الدول العربية في القاهرة المخصص لبحث العدوان على غزة. ولكن في دافوس بدت قناعات عمرو وكأنها تغلبت على الواجبات الوظيفية لوهلة قصيرة، عندما انتصب واقفاً ليصافح اردوغان مهنئاً له على موقفه الحازم، ثم ظهر لثوانٍ وكأنه مشتت الموقف بين ان يلحق باردوغان المنسحب أو أن يعود إلى مقعده في الجلسة التي فصّلت لتكون جلسة شمعون بيريز بامتياز، حتى أشار إليه بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة بالجلوس.. ففعل! تلك الصورة لم تكن صورة عمرو موسى وحده، بل كانت أبلغ تعبير عن حال جامعة الدول العربية التي لم تفلح كل وسائل الترقيع طوال الستين عاماً في ترميم جسدها المتنافر الأغضاء والمتضارب الأطراف. فالجامعة، منذ أن قامت وحتى اليوم، تقدم أوضح صورة للتشتت في الموقف العربي، بين القناعات والإملاءات.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر