مجلس الصحافة
عندما يخطئ الطبيب، فإنه يقف أمام لجنة «طبية» تضم خبراء من كبار الأطباء لإقرار الخطأ الطبي أولا ثم تحميله المسؤولية، والحال تنطبق على المهندس الذي لا يمكن للإنسان العادي مهما بلغت درجة منصبه أن يستطيع تحميله مسؤولية الخطأ إن لم يكن مهندساً، وبطبيعة الحال يخضع الجندي أو الضابط لمحاكمة «عسكرية» في حال تجاوزه القوانين والأنظمة المعمول بها في السلك العسكري..
وهكذا، من البديهي جداً أن تخضع جميع المهن المتخصصة إلى لجان «متخصصة» للمحاسبة، ما عدا الصحافة فهي المهنة ربما تكون الوحيدة التي ترضخ لمحاسبة الجميع، فالتهمة توجه للصحافي من قبل القراء أولاً، وبالطبع القراء ما هم إلا مسؤولون أو رجال أعمال، أو موظفون أو طلاب أو ربات بيوت، أو باختصار هم «جميع شرائح المجتمع»، فهل هناك مهنة تكون تحت رحمة كل المجتمع!!
وفي كثير من الأحيان تتجاوز «التهمة» مرحلة الشكوى الداخلية، أو التهديد والوعيد، لتتحول إلى القضاء بعد مرورها بجميع مراحل التقاضي، هذا كله يتم من دون مرور القضية على لجنة أو هيئة أو مجلس «متخصص» يستطيع تحديد وجه إقامة الدعوى من عدمه على الصحافي!! لسنا ضد محاسبة الصحافي، ولسنا ضد حق الشكوى الذي كفله القانون للجميع، كما أننا كصحافيين، لسنا فوق القانون، ولا توجد على رأس أي منا «ريشة»، ومن يتجاوز حدوده فلابد من محاسبته، ومن يخطئ فعليه تحمل مسؤولية خطئه، ولكن ما الذي يمنع أن يتحمل الوسط الصحافي مسؤولية محاسبة الصحافيين، وإقرار التهم الموجهة إليهم من عدمه!! في كثير من دول العالم المتطورة، لا توجد قوانين للصحافة، ولكن توجد مواثيق شرف بين العاملين في هذه المهنة هي عملياً أقوى من أي قانون مطبق في هذا الجزء من العالم، وفي النهاية هناك القضاء الذي يفصل في الأمور التي لا تتضمنها هذه المواثيق..
لقد تطورت الصحافة العالمية لأنها أسست «مجالس الصحافة»، هذه المجالس تتولى محاسبة الصحافيين ومعاقبتهم إذا أخلوا بأعراف وتقاليد مهنتهم السامية، هذه المجالس تضم «أهل الاختصاص» من ممثلي الصحافيين والإعلاميين ورجال القانون والنقابات المهنية وحتى القراء والمثقفين، وأثبتت هذه المجالس نجاحها وفاعليتها في تلك الدول، واستطاعت إدارة شؤون مهنة الصحافة مقابل قوانين الصحافة والنشر التي تفرضها الحكومات..
صحافة الإمارات وبعد هذه السنوات الطويلة، وصلت إلى مرحلة النضج الذي يمكنها من إدارة شؤونها، ووجود مجلس للصحافة من أهل الاختصاص في الدولة، له من فوائد كثيرة لطرفي المعادلة، فهو سيعمل على تخفيف الضغط عن كاهل الحكومة، و«إراحتها» من الخوض في هذا الملف المعقد، كما أنه سيعمل على تطوير مهنة الصحافة، وتحميل الصحافيين مزيداً من المسؤولية، ما يؤدي إلى الرقي بالمهنة لتصل إلى حد الطموح الذي يساعد ويدعم التنمية الشاملة في الدولة..
مجرد فكرة لاحت في الذهن عقب انتهاء مؤتمر دبي لإطلاق مبادرة الصحافة الأخلاقية..