مضلات الفتـن

الفتن التي تحدق بالإنسان أكثر من أن تحصى وأوسع من أن تستقصى، فهي محدقة به من كل جانب، لا يكاد يفر من فتنة حتى تحدق به أخرى، وكأنها قدره الذي ينتظره، وقد روى البخاري من حديث أسامة رضي الله عنه، قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم ، على أُطُم من الآطام - حصن من الحصون- فقال «هل ترون ما أرى؟ إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم مواقع القطر»، هكذا يراها النبي صلى الله عليه وسلم بمرآة النبوة التي تكشف له بعض المغيبات لتكون من معجزاته، ويذكرها ليحذر الناس منها، حتى لا يستمرئوا الدخول فيها، أو يهونوا من شأنها، فإن منها الحالقة للدين، ومنها الموبقة في جهنم، ومنها التي تموج كموج البحر، ومنها دون ذلك، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يحث على الفرار منها بما يتيسر للمرء فعله، كما قال عليه الصلاة والسلام «يأتي على الناس زمان، تكون الغنم فيه خير مال المسلم، يتبع بها شعَف الجبال، في مواقع القطر، يفر بدينه من الفتن» وما تلك الفتن التي كانت بجانب فتن اليوم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، فلم تكن فتنة المال ولا فتنة زهرة الحياة الدنيا، ولا فتنة الأهواء والأحزاب، ولا فتنة النساء، ولا فتنة الأعداء، ولا فتنة المغريات.. كما هي اليوم، مع ما في اليوم من نقص في العلوم، وفتور في الإيمان، ونقص في التعبد، فكيف يكون المسلم بعيداً عن هذه الفتن مع ذلك كله؟ اللهم إلا أن يسلك سبيل الجماعة وينصح لله ورسوله وولي الأمر وللمسلمين، وهي الأمور التي تجمع الدين،كما قال صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وهي الأمور الثلاثة التي لا يُغِل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة الأمر، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، فهذا هو المستعصم الذي ينبغي للمسلم أن يعول عليه، فلعله ينجو من ذلك السيل الجارف، الذي من استشرف له أحاط به وأغرقه، وهو الأمر الذي حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله «ستكون فتن كرياح الصيف ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي، من استشرف لها استشرفته» أي غمسته في حمأتها النتنة، ثم لا يكاد يخرج منها سالماً إلا أن ينكر ذلك ويكرهه، كما قال صلى الله عليه وسلم «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء» الحديث، وهذا أقرب المخارج لمن أحاطت به تلك الفتن المضلة، التي لا يخلو منها مكان، في هذا الزمن الذي قد اقترب آخره، وذهب صفوه، وهو الحال الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم «بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء» زاد في رواية: قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال «الذين يصلحون إذا فسد الناس» كما رواه أحمد. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأعذنا اللهم من مضلات الفتن وتوفّنا مسلمين.



كبير مفتين مدير الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي

الأكثر مشاركة