الانشغال بالمحرقة

زياد العناني

يبدو أن لامجال لأي باحث أن ينكر المحرقة النازية أو يتطرق إلى قائمة الضحايا المبالغ فيها، لأن هذا الموضوع الكابوس يراد له أن يظل قائما وساخنا كما يراد للعالم كله أن يشعر ببرودة الذنب إلى الأبد.

فعلى الرغم من تجنب بابا الفاتيكان الدخول في هذا الموضوع، بعد أن أثار موجة من الغضب بسبب إلغائه مرسوما صدر قبل 21 عاما، بحرمان أربعة أساقفة قادوا تحركا للانشقاق على الكنيسة، من بينهم الأسقف البريطاني ريتشارد ويليامسون الذي أنكر المحرقة النازية، وجد نفسه مجبرا على تقديم إدانة جديدة لأي محاولة لإنكار جرائم الإبادة التي ارتكبت في حق اليهود إبّان الحقبة النازية، خصوصا حين أكد أن «هذا الفصل المرعب في تاريخنا لا ينبغي أن يذهب طيّ النسيان».

هكذا تصرف البابا بهدف الخروج من المأزق، وهكذا تتصرف إسرائيل مع العالم المتحضر الذي تبتزه بقوة الذنب، والتاريخ الملفق، والجغرافيا المسروقة،

وبما تبدعه عنا نحن العرب أو الوحوش البرية التي لا تنتمي إلى أي حضارة إضافة إلى ممارسة العويل المتصل على ماض لم يحدث لها فقط، وإنما حدث لكل الأمم، غير أن الفرق بين وعيها ووعي الأمم الأخرى، يكمن في استثمار المحرقة إعلاميا وسياسيا ببراعة جعلها تأخذ بالمقابل فلسطين إضافة إلى أموال الدول الغربية وأميركا بلا مراجعة وبلا حساب، حيث تؤكد الدراسات أن الفرد الأميركي مثلا يدفع ما يعادل 5٪ من دخله على شكل ضرائب كلها ترسل إلى إسرائيل.

غير أن الأهم هنا ليس في إنكار المحرقة وإنما في انشغال جملة من الباحثين العرب برصدها والتعليق عليها في محاضرات ما انفكت تسأل «هل المحرقة ممكنة علمياً؟ وماذا تعنينا عرباً سياسياً ؟». غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا يشتغل الباحث العربي في موضوع المحرقة؟ ولماذا لا يترك هذا الجهد للألمان الذين يتجنبون نفيها، خوفا من تزايد الابتزاز السياسي والاقتصادي؟ ولماذا لا ينهض بقضايا المحارق العربية التي حدثت منذ بداية تشكيل الكيان الصهيوني إلى الآن؟

ليس مطلوبا أن نعترف بالمحرقة، كما أنه ليس مطلوبا أن ننكرها أو نعترف بها، لأن الأهم من هذا وذاك، هو مراجعة المحارق التي تمت بحق الشعب العربي في فلسطين والعراق والجزائر ولبنان وليبيا، وعلى ذكر ليببا فقد استطاعت أخيرا إجبار إيطاليا على دفع تعويضات جراء استعمارها لهذا القطر العربي، بعد أن شكلت ومنذ استقلالها مبنى ومعنى الشعور بالذنب لدى الإيطاليين وحكوماتهم المتعاقبة.

نحتاج إلى مؤسسة عربية قانونية سياسية مستقلة، تنهد إلى متابعة الجرائم الإسرائيلية والأميركية والبريطانية بحقنا، وتبدأ بتشكيل جماعات الضغط القانونية والسياسية والاقتصادية، واستثمار صور المجازر والمحارق، إضافة إلى حشد الشهود والمرجعيات وأنواع الأسلحة المستعملة لملاحقة مجرمي الحرب من الأموات والأحياء، قبل أن يسرقوا مذابحنا وقبل أن ينقلب الأمرعلينا «نحن العرب» ونحاكم على جرائمنا بحق غزة ودير ياسين، إضافة إلى صبرا وشاتيلا وبغداد وبيروت، ونلاحق في المحاكم الدولية أجمعين!

 

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر