ماذا لو كان «شويشي» عربياً؟!
يبذل الياباني «العادي» جهداً كبيراً؛ كي يفتح عينيه بأكملهما، فكيف هي الصعوبة التي ستواجهه إذا كان «عاطنها شوية»، بمعنى «سكران».
هذا بالضبط ما فضح شويشي ناكجاوا وزير المالية الياباني الذي استقال من منصبه لأنه حضر مؤتمراً صحافياً وهو «مسطول» بفعل الكحول، حيث لاحظ الجميع أنه يبذل جهداً مضاعفاً لإبقاء عينيه مفتوحتين!
اللقطات المصورة للوزير الياباني نشرت في وسائل الإعلام اليابانية كافة، وأحدثت ضجة كبيرة في طوكيو، أسفرت عن إعلان شويشي استقالته من منصبه الوزاري، مع العلم بأنه كان اعتذر في المؤتمر الصحافي عن سلوكه، وعزا ذلك إلى دواء «الأنفلونزا»، الذي شربه قبل المؤتمر مع كمية «محدودة» جداً من الكحول!
وقبل أن يطلق أي منا العنان للتهكم على سلوك الوزير، أو على عيون الشعب الياباني، كما فعلت أنا في مقدمة المقال، يجب علينا أن نرفع القبّعات احتراماً لهذا الشعب كله، ولهذا الوزير أيضاً حتى لو كان «سكيراً»!
لا أقصد أن نحترم الوزير على سلوك الشرب حتى الثمالة، ولكن على موقفه «الرجولي»، وعلى «فكره» الراقي في الاعتراف بالخطأ، واستقالته من منصبه فوراً من دون انتظار أية إشارة من الحكومة أو رئيس الوزراء.
دعوني أسرح معكم في هذه القصة، لكن مع تخيل وقوعها في أي من أركان وطننا العربي الكبير، فهل تعتقدون أولاً أن الصحافة، أو التلفزيونات، أو أيا من وسائل الاعلام ستكون قادرة على نشر صورة لمسؤول بهذا الحجم وهو «زالة»، حتى وإن كان ذلك في مؤتمر صحافي؟
وإن افترضنا جدلاً قيام صحيفة بذلك، فما ردة الفعل المتوقعة؟ هل هي «تعنيف» الوزير، أم تعنيف الصحافي، ورئيس التحرير والصحيفة و«لعن أبو خيرهم»، لأنهم تطاولوا على مسؤول، وشهروا به ونشروا صورته بشكل يسيء إليه؟ لاحظوا هنا أن «الإساءة» في النشر، وليست في فعل المسؤول!
وإذا افترضنا جدلاً مرة أخرى، أن هذه الفعلة أثارت الرأي العام «العربي» وأحدثت ضجة، فهل يمكن أن يؤدي ذلك الى اعتراف «علني» من الوزير أمام الجميع بأنه مخطئ ويستقيل فوراً، طالباً العفو من المجتمع؟لا أعتقد ذلك إطلاقاً فلم نسمع بهذا من قبل، ولا أعتقد أننا سنسمع به ما دمنا أحياء!
فرق كبير جداً، بين السلوك العربي والياباني، أقصد سلوك الاعتراف بالخطأ طبعاً، لا سلوك مقارعة الخمر، ففي هذه لم يختلف الاثنان، شويشي الياباني لم يكتف بكمية محدودة على حد زعمه، وشكله «طينها» على الطريقة العربية، لكنه عاد إلى عقلية «الساموراي»، بعد «السكرة»، فجاءت «الفكرة» وهي الاستقالة الفورية!!
تُرى.. هل نشهد في الوطن العربي عقليات من هذا النوع؟ لا تقنعوني بأننا «مسلمون»، ولا يمكن لأي موظف أن يأتي إلى مقر عمله وهو «مسطل»، بعد أن لعبت الخمر برأسه، لن أتبلى على أحد، ولكنني لا أستبعد وقوع «هفوات» من هذا النوع، إذن كم شويشي عربي يجب أن يستقيل بعد شويشي الياباني؟!