«التطفيش» سبق «التفنيش»
في الآونة الأخيرة، لجأ بعض شركات القطاع الخاص إلى الاستغناء عن موظفيها المواطنين بأسلوب «التفنيش» المباشر، أي الإبلاغ الرسمي بعدم الرغبة في وجود هؤلاء الموظفين وإنهاء العلاقة بينهم وبين أماكن عملهم. ولكن قبل الوصول إلى مرحلة «إشهار» سياسة «تفنيش» المواطنين كانت هناك مراحل أخرى حققت النتائج نفسها، أي خروج المواطن من مكان عمله، ولكن بأساليب غير مباشرة تتنوع بين الضغط والتهميش وسوء المعاملة تؤدي في النهاية إلى تقديم المواطن استقالته وتركه وظيفته، وكأنه من تلقاء نفسه.
هل كانت تلك بالونات اختبار وعمليات جس نبض لقياس رد فعل المجتمع والجهات المسؤولة في حال تنفيذ سياسة الطرد من الوظائف ضد المواطنين؟ لا يمكن الجزم بذلك، ولكن يمكن القول إن تجاهل الجهات المسؤولة لشكاوى المواطنين الواقعين تحت ضغط «التطفيش»، وعدم تتبعها بالمراقبة والدراسة، بالإضافة إلى الحملة الشرسة التي تعرض لها المواطنون في قطاعات الأعمال، الحكومية والخاصة على السواء، ساهمت في إيجاد شعور لدى شركات ومؤسسات القطاع الخاص بوجود موافقة من نوع ما للتخلص من المواطنين تحت طائلة الترشيد وإلصاق تهمة ضعف الإنتاجية بالمواطن. وربما زاد من اندفاع هذه الرغبة في التخلص من المواطنين تمكّن الأجانب من سلطة القرار في هذه الشركات، وهؤلاء مسكونون بهواجس الخوف على المكان الذي يرون في المواطن أكبر تهديد لهم فيه. «التطفيش» حدث، ولايزال يزداد ضراوة في العام كما في الخاص، ورغم أن الكلام فيه صار بنبرة عالية، ولكن لايزال بلا رادع، ولو تم التصدي بحزم منذ البداية لإجراءات «التطفيش» لما وصلت الأمور إلى مستوى إشهار «التفنيش». ولكن الأمل في أن تكون الضارة نافعة هذه المرة، وأن تتسع إجراءات وقرارات وزارة العمل الأخيرة حول ضمان حقوق المواطنين المقالين لتشمل فتح باب تلقّي شكاوى الموظفين المواطنين الذين يتعرضون للضغوط والتهميش. فإذا كان «التفنيش» قد أضر ببعض المواطنين، فإن «التطفيش» يهدد خبرات مواطنة قطعت أشواطاً في مجالات أعمالها، وكسبت مهارات وخبرات متراكمة وعالية، وأصبحت تتلفت يميناً ويساراً بحثاً عن بديل يرفع عنها الضغوط. وفي هذا إهدار للطاقات يجب عدم السكوت عنه.