ما قالته وداد لوتاه

ما اعلنته الباحثة الإماراتية وداد لوتاه خلال حديثها مع «الإمارات اليوم» في الاسبوع الماضي، وتهديدها من خلال اتصالات هاتفية بالقتل على ما تضمنه كتابها «سري للغاية: المعاشرة الزوجية.. أصول وآداب» يعتبر فاتحة ضرورية للتحدث عن الاصرار العربي المزمن حول تأبيد المسكوت عنه اجتماعياً وتأبيده بعيداً عن اي تحبير أو مجاهرة. والباحثة لوتاه التي تعمل كباحثة أسرية في محاكم دبي أحست بسبب المآسي التي سمعتها من أزواج وزوجات الى ما يُمكن تسميته بالأُمية الفراشية المتفشية في البيوت العربية، التي عادة ما تقود العلاقة الزوجية الى المحكمة والطلاق وتشتيت الابناء، مما جعلها تفكر في كشط سماكات اجتماعية تراكمت تاريخياً على المعطى الحضاري العربي الاسلامي بهذا الخصوص، وكانت تعتقد أنها تقدم خدمة لمجتمعها العربي. وامعاناً في خلوصيتها لبحثية دفعت بكتابها قبل طباعته الى علماء دين وباركوا لها خطوتها التثقيفية هذه. لكن العربي، بسبب تعدد حدوث قطيعته الحضارية مع منجزه العربي والاسلامي، وتعامل هذه الحضارة مع أدق التفاصيل الحياتية والاجتماعية، وفي ما يخص العلاقة الجنسية بين الزوجين، وتثقيف هذه العلاقة عن طريق المعطى الديني القرآني والسنة النبوية والعديد من المفكرين والكتاب، قد تحول بفعل هذه القطيعة الى جدار حمل سماكات اجتماعية لزجة أدت الى تفضيل العرف الاجتماعي المترجرج والمتغير كمرجعية والقفز عن نقاء المعطى التاريخي الحضاري لمثل هذه المسائل. والعربي الذي مازال، في كل قطيعة حضارية، يحاول أن يُسمّن ويورّم عُرفه الاجتماعي المُنبت عن تاريخه الحقيقي نلحظ أنه يسعى الى التأكيد على تفشي الثقافة الذكورية التي تحول المرأة الى محض ملكية خاصة قابلة لكل الاجراءات الماحقة لكينونتها وحقها في الحياة. والى العمل على تأثيث الحياة الزوجية بالحضور الطاغي للذكر ولكل متطلباته الحياتية. وحينما جاء الإسلام ليمحق فكرة وأد الأنثى ويمنح للأنثى كامل حقوقها المدنية والاجتماعية كانت هناك طحالب الاعراف الاجتماعية، تنمو هناك في الجانب السري من ارواحنا لتورق وتعرش وتمنحنا العمى الخالص في التعامل مع أنثانا.

ان ما قامت به الباحثة الإماراتية وداد لوتاه في كتابها، مساهمة بسيطة في تعميق الثقافة الاجرائية في قضية يعاني منها البيت العربي بشكل مزمن، وتدفع اثمان الجهل فيها علاقات زوجية عربية لا تعد ولاتحصى. لكن من قال إن حراس العرف الاجتماعي سيقبلون مثل هذه الثقافة الاجرائية. انهم يقبلون بتشكيل الاتحادات النسائية العربية، ويقبلون بالمؤتمرات التي تستقبلها العواصم العربية في كل عام. لأنهم يدركون ان مثل هذه التوجهات تظل حبيسة القاعات والمؤتمرات. وهم يتابعون بنوع من التثاؤب القرائي ما يكتب عادة في الصحف والمجلات عن مصطلحات مثل النسوية أو الجنسوية، لكنهم يدركون تماماً أن مثل هذه الأبحاث والنقاشات لا تتعدى في أثرها حيثيتها الورقية التي كتبت بها. ولهذا حينما يتقدم الحبر البحثي الكتابي نحو اية قضية حياتية ويقوم بتعريتها والكشف عن المسكوت عنه فيها، فإن العرف الاجتماعي ينهض من قيلولته المزمنة فوق ارواحنا ويبدأ بشحذ سكاكينه كي يهدد بالقتل واللجم كل من تسول له نفسه التعميق والوعي والمعرفة في قضية من اهم قضايانا التي هي اساس ذهابنا المزمن للمحاكم الشرعية واعلان الطلاق. وكان الله في عون الباحثة وداد لوتاه على ارتكاب جريمة توعية الفراش الزوجي وتثقيفه!!

 

khaleilq@yahoo.com

الأكثر مشاركة