5 دقائق

عبدالله الشويخ

أتابع في عصر كل يوم، مجموعة من الأطفال يستعيرون الكثير من المسميات إياها ويتقاذفون اللعاب أو تتقاذفهم هي، لا يبلغ وزن أحدهم الـ20 كيلوغراماً، غذاؤهم الجيلاتين وشرابهم النسكويك... ولولا ثيابهم اللامعة لما وجدت فرقاً يذكر في الوزن والشكل العام بينهم وبين ما نقلته القنوات الفضائية عن أطفال النيجر... وكلما حدثت أحدهم بضرورة الاهتمام بالتغذية وذاك الهراء، كما كان يفعل الآخرون معنا، أجاب إجابة الدراجون بوستر الشهيرة «أنا عندي حماية» والحماية يمكن الحصول عليها بطرق مختلفة ففي الدراجون بوستر تحصل عليها ببطاقة خاصة، وفي البوكيمون بواسطة تعويذة، وفي لعبة الدووم بالتقاط المربع الأخضر، وفي سوبرماريو بتجميع 35 حلقة ذهبية .. أما عن أبناء جيراني فلا أعلم من أين؟ ولكنهم واثقون بشكل لا يقبل الجدل.

لنرى المسؤولين حولنا وفوقنا، يندر ألا يكون مرافق المسؤول أو المفوض إلا من إخواننا البدو وأبناء القبائل، أليس في هذا إشارة واضحة إلى أن الأخشن والأرجل هو الأجدر بالثقة في موضع الأهمية، بعيداّ عن من «يترطن» بالعربية المطعمة أو من يتأنق بعبارات النفاق الأزلية.. هي ليست دعوة لهجر المدينة والعودة إلى المضارب، ولكنها استغاثة لإنقاذ الأجيال الناشئة من المياعة بالاستعانة بخبرات وخيرات الصحراء، خير جيل أنجبته البشرية ذلك الجيل الذي فتح لنا من الصين شرقاً وحتى البلقان غرباً، كان جيل أصحاب محمد، صلى الله عليه وسلم، ولنعد إلى ما تناقلته السيرة عن طفولة ذلك الجيل، أنه كان يوعد به إلى أهل البادية، فينشأ هناك بعيداً عن نشأة أهل مكة حتى إذا اشتد عوده جيء به مرة أخرى، وقد أصبح رجلاً شديد العود صعب المراس...

أعطتنا الحياة الجديدة بتقنياتها شراً وخيراً، فمن شرها أننا لا نرى بزراننا إلا بضع سويعات في اليوم لا ينبغي إضاعتها في التلقين والتقريع، وفي معنى أن تكون رجلاً وأن تكون في الفلاة بلا دليل ووجهك والهجير بلا لثام، ولكن من خيرها أنه ليس بالضرورة إلقاؤهم إلى البادية فبمثل الإمكانات الموجودة يمكن للبادية أن تأتي لمدارس أبنائنا وحياتهم اليومية ليس حرماناً لهم من نعمة من الله بها علينا ولكن كنوع من الوقاية...

* * *

جاء إلى إحدى الدوائر الخدمية (المراجع الذي لا يضحك أبداً)، كما يسمونه في الدائرة ولديه من الخير والعقار ما بارك الله له فيه، طلب منا إزالة كثيب رملي، سألوه عن السبب فذكر أن الكثيب يغطي قبراً قديماً، فسئل عن هوية صاحب القبر، فقال:

«هي أبعد صورة في ذاكرتي... أراني جالساً على حجر امرأة بيضاء تلقمني ثديها، ثم نامت، ثم جاء رجل أعرف أنه أبي، فاعتبر... فحملها وصاحب له فألبساها ثياباً بيضاء وحفرا لها ثم ردما.... سألت الرجل: أبتاه ما صنعتما؟ فقال: بني لقد أعطيت أمك بيتاً أكبر وأجمل هيا بنا ....»، وعلمت في ما بعد أنها ماتت عطشاً ومرضاً...

أطلنا النظر إليه، فإذا بالتماع في عينيه يشابه التماع النجوم والنسور على كتفيه... سألت عنه فقيل: هذا فلان لا يقطع المسؤولون أمراً إلا بمشورته...

وعقب أحدهم «تربية رجال».

 

shwaikh@eim.ae

تويتر