نمساوي رأس الخيمة

من النمسا الى رأس الخيمة، جاء النحات والكاتب والمصور وولفغانغ ميلر ايشهولز، ليتأمل ويعيش حياة يحلم بها تتمثل في الحوار مع الطبيعة، والتوحد فيها، اذ وجد في بيئة رأس الخيمة مبتغاه الإبداعي والروحي، في هذه الطبيعة التي تجمع ثلاثية الجبل والصحراء والبحر، اضافة الى دفء المنطقة ودفء قلوب اهلها. لقاء جميل جمع الجمعة الماضية الشعراء والمثقفين عبدالعزيز جاسم وهاشم المعلم، ويوسف العبيدلي عاشق الخيول، وجمال علي الذي تعلم العزف على الغيتار ذاتياً، وجهاد هديب، وأصدقاء آخرين في بيت بحري للشاعر والدبلوماسي السابق عبدالله بشر، وجرى حوار بيننا في هموم الثقافة والكتابة، تخللته روايات من ماضي الإمارات، سردها عبدالعزيز بذاكرة متوهجة، من بينها حكايات طريفة واخرى غرائبية، أبطالها أشخاص كانوا، أمس، هنا، في البر والبحر. معظم هذه الروايات الشفاهية لم تسجل بعد، لكنها لاتزال تحتفظ بصورتها عبر جلسات تهاجر إلى الماضي لتقطف بعض تفاصيل ذلك الزمن الذي لم يتوارَ تماماً.

في البيت البحري، كان الفنان النمساوي يتأمل أكثر مما يتحدث، كان يدخل الصمت باعتباره طريقاً إلى الجوهر، كما في ثقافة الزن وقصيدة الهايكو التي لا تتجاوز ثلاثة أسطر، لكنها تفتح بوابة الصمت على طاقة خفية مدهشة.

وولفغانغ وجد في رأس الخيمة مأواه الروحي، فيها يتوحد مع الطبيعة، ويركن في بيت يتأمل وينحت قطعاً من الاخشاب، تحت عنوان «فن من أجل الروح»، إذ يبدع منحوتات رقيقة، يدخل في بعضها أحجاراً ملونة لها علاقة بالتوازن الروحي والطاقة الايجابية. ويظهر من تعامله مع الخشب معنى يفيض بالحب، يقول انه بدأ الإبداع الفني مطلع السبعينات من القرن الماضي، وتعلم فن حفر الخشب من والده، في حين أمدته أمه بطاقة الحرية الإبداعية، كما لا ينسى دعم الدكتور جوزيف شوارز له في طريق الابداع.

وعن فلسفته في النحت، يقول وولفغانغ إن «الطبيعة الأم تمدنا بهدايا ساحرة، ولكن، للأسف، على الرغم من هذه العطايا التي تضفيها الطبيعة إلى حياتنا المتحجرة، وتجعل منها ما يستحق أن نحياه، إلا أننا لا نفي الطبيعة حقها، إذ علينا أن نرتاح من الصراعات، لننعش أرواحنا».

وفي هذا السياق، يقترح الفنان النمساوي تنظيم معرض بمشاركة مجموعة من الفنانين يخصص ريعه لأطفال غزة الذين عانوا من جحيم الاحتلال الإسرائيلي ومحرقته الأخيرة ضد الحياة في غزة. كما يأمل أن ينظم ورش عمل لأطفال في الإمارات حول فن النحت، إذ سبق أن قام بمشروعات فنية لأطفال مدارس في النمسا.

ويوضح وولفغانغ أن منحوتاته التي تتميز في الشكل والبناء والخامة، تتوالد تخطيطاتها الأولية في أحلامه وفي جلسات التأمل، في حين يحاكي بعضها الطبيعة، وهي ذات علاقة بفن«فينغ شوي» الذي يسعى إلى تحقيق التوازن في الطاقة داخل البيوت، إذ يعتبر وولفغانغ نحت الخشب حياة بعد النمو.

في ذلك البيت البحري في مدينة الرمس في رأس الخيمة، كانت قوارب الصيادين تتمايل على سطح الماء، مثل منحوتات متأرجحة، بين العتمة والذكريات.

ali.alameri@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة