أقول لكم
لست مع الرأي القائل إننا يجب أن نرد على الشائعات عملياً حتى لو تأخرنا كثيراً، ولست مع الصمت القاتل للمختصين الذين يملكون حجة الإجابة عن التساؤلات، ولكنني مع دحض كل الافتراءات، حتى لو صدرت عن شقيق أو صديق، وبالعامية الفصيحة «أن أضع إصبعي في عين كل من يجرؤ على اختلاق الأكاذيب عني».
أقول ذلك بعد أن تابعت خلال الأشهر القليلة الماضية الحملة الشعواء التى أديرت، وللأسف الشديد، من بعض الأشقاء والأصدقاء، بعد الأزمة المالية العالمية، فالجميع نسوا همهم ومصائبهم، ولم يبحثوا عن حل يتداركون به فجيعتهم إثر الخسائر التي لحقت باقتصادهم، وركزوا حملة منظمة على اقتصادنا، واختصروا الأزمة المالية في ما يحدث هنا، واستُخدمت أقسى التعابير وأقبح التشبيهات، من مجموعة أطلقت من أقفاصها، لتبث السم في كل اتجاه، فإذا بالحقائق تختفي خلف الأكاذيب، والناس يتناقلون ما يسمعون مع الإضافات، ونحن نتفرج، ونسمع، ونحسّ بمشاعر يختلط فيها الضحك بالغصة والأسى ونسكت، بينما الأرقام أمامنا، أرقامهم، أي خسائرهم، وهي إن حسبت على ما يشاع عنا، تحول ديننا والتزاماتنا إلى ما يشبه «الفكة»؛ فأصغر دول المنطقة وأقلها خسارة فقدت ثلاثة أضعاف الالتزامات المطلوبة من دبي مثلاً، والمفقود شيء لا يعود، خصوصاً إذا كان مستثمراً في البنوك والمؤسسات المالية المنهارة في أميركا وأوروبا، ومع ذلك نسمع الشماتة في كلامهم، ونرى الأحلام والطموحات تقفز في اتجاه أخذ مكان الصدارة، متجاهلين الواقع والمبدأ والاختيار، ومتناسين أن الريادة ليست صنعة يتعلمها من لم تكن بذرتها في خلايا جيناته، وأن النجاح لا يمكن أن يتحقق إلا لمن ملك روح المبادرة.
نحن نتعلم الدروس من التجارب، وهذه التجربة رغم قسوتها وما رافقها من تضليل متعمّد وموجّه، سنخرج منها ونحن أكثر قوة وصلابة، وأول درس تعلمناه، هو أن الحجارة لا تقذف إلا على الأشجار المثمرة، ولهذا لابد أن نحرس ثمار هذا العطاء، وأن نواجه الشائعات بالحقائق، وما حدث قبل يومين يؤكد لنا ذلك، وقد شاهدنا وسمعنا كيف غيّر الإعلان عن السندات بملياراتها العشرة نفسية الناس ومؤشرات الأسواق، وكيف سـادت روح الاطمئنان الجميع.