الحكواتي والشاعر
عرض مهرجان البرليناله التاسع والخمسون في البرنامج الخاص، فيلم كلود شابرول الجديد «بيلامي» وبيلامي هو مفتش بوليسي، شخصيته مستوحاة من المفتش ميغريه، بطل روايات جورج سيمنون البوليسية. ويقول شابرول: إن فكرة الفيلم أتت من رغبته في تكريم سيمنون، خصوصا أنه يجد في بطل فيلمه، الممثل جيرارد ديبارديو، شخصية تنتمي إلى روايات سيمنون بامتياز! ساهم شابرول في كتابة النقد السينمائي لسنوات طويلة في مجلة «دفاتر السينما» وألف كتابا مع اريك رومر عن هتشكوك وأعلن فيلمه الأول «سيرج الجميل/1958» ميلاد «الموجة الجديدة» ونال فيلمه الثاني «ابن العم/ 1959» جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين. واستمر، بعدئذ، إلى جانب إخراج أفلام سيكولوجية، في إخراج أفلام بوليسية، يمكن إرجاع رغبته في إخراجها الى تأثير هتشكوك الكبير فيه، الطريف أن الأمر نفسه حصل مع تروفو، الذي ألف كتابا عن هتشكوك أيضاً، وأخرج بعض الأفلام البوليسية، نتيجة تأثره بأفلام المعلم هتشكوك.
ولعل كتاب شابرول الجديد «كيف يصنع المرء فيلماً»، هو من أطرف ما يمكن أن يُقرأ، لأن آراءه مملوءة بالمعرفة والسخرية في آن واحد، «يستطيع المرء أن يتعلم من أفلام الماضي ويشرحها انطلاقا من العواطف وصولا الى التحليل، لكن من دون أن يقول هكذا فقط تُصنع الأفلام، فلكل مخرج طريقة خاصة في التصوير، تختلف عن غيرها، والطريقة الصحيحة عند هذا المخرج، تكون خاطئة عند مخرج آخر، بالتالي لا يحق لنا أن نتحدث عن مدارس سينمائية. ما أردت قوله في هذا الكتاب، لا يصح إلا على طريقتي الخاصة في الإخراج».
يجد شابرول نوعين من المخرجين: الحكواتي والشاعري، الحكواتي يحكي حكاية، لا تعبر عن رؤية خاصة للعالم، ولا يريد أن يوصل خطابا معينا الى المشاهد، انه يريد فقط أن يجد الشكل السينمائي الجذاب للحكاية التي اختلقها غيره. أما الشاعري فعنده رؤية للعالم، وهاجسه أن يعبر عنها ويوصلها الى المشاهد.
يعتقد شابرول كذلك، أنه يمكن للمخرج الحكواتي أن يتحول الى مخرج شاعر، إذا ما استطاع أن يمتلك رؤية للعالم «بوسعنا أن نقول: إن الشاعر هو أكثر نبلا من الحكواتي، مع أن أسوأ الأفلام في تاريخ السينما، أخرجت من قبل أولئك الشعراء، الذين لم يسيطروا، في الأغلب، على جزء من عناصر سرد الفيلم الفنية، كالبناء الدراموتورغي مثلاً! من هذا يفضل الجمهور فيلم الحكواتي على فيلم الشاعر، لأن من الطبيعي أن يكون الفيلم السردي الناجح أفضل من الفيلم الشعري الفاشل! هناك أيضا نوعان من المشاهدة: مشاهدة فيلم تأملي ومشاهدة فيلم انفعالي،. مع أن أكثر الأفلام تقوم على الانفعال ولا تدفعنا الى التأمل أبداً «حينما أريد تصوير مشهد يتردد فيه زوج، سبق أن خُدع دائما من قبل نسائه، قبل أن يقوم بقتل زوجته، التي لم تخنه أبداً، أجد نفسي في مثل هذا الموقف ـ المعقد ـ في فيلم التأمل، لأن ما يمكن لهذا المشهد أن يثيره من انفعالات، أثناء ما يحاول الرجل خنق زوجته، تكون أشد قوة، كلما كانت عملية التأمل بليغة الأثر.