أقول لكم
سمعت خمس روايات من خمسة أشخاص حول الأزمة المالية، كلهم كانوا يتحدثون عن الحلول والاجتماعات التي عُقدت على المستوى الرفيع، وكلهم كانوا يؤكدون أن ما يقولونه هو ما دار في تلك الاجتماعات، رغم أنهم يوردون تفاصيل صغيرة وحوارات ونقاشات ومواقف، لا يمكن أن يتحدث عنها إلا من كان مشاركاً في تلك اللقاءات. وعندما تسألهم عن ذلك يقولون إن أحد الحاضرين أبلغهم بما دار. وهنا ـ عند هذه النقطة ـ كان لابد أن أنظر إلى «كرش» المتحدث، وفي العادة تكون «كروش» المدعين بمعرفة الخفايا كبيرة وضاربة «أطنابها» ذات اليمين وذات الشمال، مع امتدادات متعرّجة نحو الأمام والشرق والغرب، ومع كل «خرطة» مدوية أدقق النظر في ذلك الانتفاخ الهائل، وأتسـاءل في داخلي عن حجم الهواء الذي يملؤه!
العجيب أن الخمسة يتشابهون في أشياء كثيرة غير «الكروش» المنتفخة، وأول تلك المتشابهات الادعاء بأنهم رجال أعمال ومن أصحاب الملايين، وثانيها أنهم ليسوا مواطنين من أبناء دولة الإمارات، وإذا صادف أن أحدهم يقيم هنا، فذلك أقصى ما يملكه من مقوّمات، ولكن من لم يدخل الدولة منذ ستة أشهر، ولم يمض على وجوده 24 ساعة، هذا كيف يمكن أن نبلع كذبته، وهو يتحدث عن مكالمات هاتفية وعروض شراء وبيع، ومواقف تصادمية، وشقاق، وكأنه موجّه من قبل أصحاب أغراض دنيئة، ليبث الألغام ويرحل، ولن نستثني من كل ذلك أصحاب الرأي، من الذين أعجزتهم إمكاناتهم عن التدقيق في ما يقولون، وحملوا «معاول» هدم بدلاً من «أقـلام الحقيقة»، وتحولوا إلى أبواق تردد ما تسمع من شائعات على أنها هي الواقع، وعندما اكتشفوا أن الأزمة التي تستحق قراءة الفاتحة معها، لم تكن ديتها سوى عشرة مليارات في شكل سندات اكتُتبت بالكامل من داخل البيت الإماراتي المتماسك، عاد إليهم بعض الرشد، وغيّروا ألحانهم النشاز، وبدؤوا يقدمون النصائح حول التسويق الإعلامي الذي غاب، وجعل الجميع يتلاعبون بالشائعات، ولم ينسوا أن يسوّقوا لأنفسهم بوصفهم أدوات يمكن استخدامها في المستقبل لمواجهة الهجمات المسعورة. فهل كنا أقـل مستوى من الأزمة إعلامياً؟ وهل نحن بحاجة إلى الكذابين حتى نستعين بهم؟!