من المجالس
المستهلك في بلادنا بحاجة إلى حماية؛ حماية من نفسه أولا، ثم من كيد التجار وألاعيب الأشرار. فالمستهلك عندنا يطلق العنان لنفسه الأمّارة تأخذه إلى حيث تشاء، وتصرفه لما تشاء، ليشتري ما يشاء وما لايشاء، ليصرخ بعد ذلك في وجه الدولة والمجتمع مطالبا بحمايته، وشاكيا من نضوب ما باليد وتآكل ما في الجيب.
حماية المستهلك من نفسه تتطلب رفع مستوى الوعي الاستهلاكي، وتشجيعه على مقاومة جشع نفسه، وتدريبه على الادخار، ومساعدته على التمييز بين الحاجة والشهوة، وإعانته على تكييف رغباته مع حدود قدراته. وإذا كان لابد من ترك السوق تعمل وتبتكر الطرق والوسائل القادرة على تسويق بضاعتها، فإنه لابد كذلك من توجيه المستهلك ليكون مشتريا لا مدمن شراء. وهذا يتطلب خططا وبرامج عملية ترسي ثقافة استهلاكية رشيدة، ووعيا استهلاكيا متحفزا، ومعرفة استهلاكية قادرة على تعقب الحقوق وتتبع الواجبات. لماذا يشتري وكيف يشتري؟ ومن أين يشتري؟ وكيف يتصرف قبل الشراء وبعده؟ عندها يمكن أن نقول إننا قد وفرنا للمستهلك حماية نابعة من ذاته.
أما حماية المستهلك من التجار فالأمر فيها لا ينحصر على الأسعارفقط، وإن كانت الأسعار هي الجمرة التي تلسع المستهلكين، وتحرق جيوبهم، وتهدد دخولهم، وتنغّص مستوى معيشتهم. والمستهلك في بلادنا لا يزال مكشوف الرأس، مجردا من أي حماية حقيقية، في علاقة يفرض فيها السوق شكل العلاقة مع المشتري، ويملي فيه التجار شروطهم على المستهلك، ابتداء من الأسعار، وحتى خدمة ما بعد الشراء، بما فيها من ضمان الشراء، وقدرة المشتري على رد البضاعة أو استبدالها، كما يحدث في كل البلاد التي تستطيع الادعاء بتوفير الحماية للمستهلك.
وزارة الاقتصاد تعمل في هذا الاتجاه، ولكن كل ما تحقق حتى الآن لم يصل بنا إلى استكمال سياج الحماية.. فذلك هدف يفرضه القانون ويحدده التشريع، ولكن من جهد مدني وأهلي ترعاه المؤسسات، فإنه يبقى محدود الفاعلية والتأثير.