أقول لكم
في العصور المظلمة، سواء في أوروبا أو آسيا أو حتى في البلاد الإسلامية، داست السياسة بجبروتها وطغيانها العدالة، فكان الفقر والجوع والجهل والموت دون ثمن، وعاشت شعوب تحت نير الاستعباد والذل لأنها قبلت بأن تتسيّد مصالح الفئات المميزة على مقدّرات الجميع، وهذا ما يحدث الآن، تجار سلاح يحكمون العالم بقواه الكبرى، وتجار مخدرات يقفون في الصفوف الأولى، والسماسرة يتاجرون بالأدوية والأمراض والضمان الاجتماعي ويدوسون على القوانين، ومحكمة عدل دولية تنحاز للسياسة، تقتل كل العهود والمواثيق المكتوبة وغير المكتوبة، وتقف وللمرة الأولى منذ تشكّل النظام الدولي الحالي إلى جانب من يخرج على الدولة ويحمل السلاح في وجهها، وتطالب برأس الدولة في تهم يضحك منها الطفل قبل الكبير، وهنا خطورة الاتهامات ضد الرئيس السوداني وقرار إلقاء القبض الصادر قبل يومين من المحكمة الدولية، وما أقسى العدالة عندما تنحرف، فهي في الأصل ميزان لاتميل فيه كفة عن الأخرى، وإن مالت عادت فوراً بحكم النزاهة والضمير والأخلاق، ولكن التاريخ يشهد بأن العدالة عندما ينحرف ميزانها تحدث الكوارث ويموت الملايين، وأقرب مثال ما حدث في 2003 عندما اختلت كل الموازين بناءً على كذبة لوزير خارجية أكبر دولة في العالم بعرض سينمائي مركب في «هوليوود» وثبت بعد سنين أنه تلاعب بالعالم، ولكن العالم صدّقه لأنه مطلوب منه أن يصدق أو يعاقب، فكانت النتيجة دمار بلد كان مهداً للحضارات وسفك دماء مئات الألوف من البشر، أما قبلها فكانت كذبة «هتلر» الذي يجري في عروقه دم غير كل الدماء، فأراد أن يسمو فوق كل شعوب الأرض، وقد سما فوق جثث الملايين في الحرب العالمية الثانية، وقبله كان «نابليون» وكان «نيرون» وكان «الحجّاج» وكان «نيلسون» كلهم داسوا فوق المواثيق والأعراف وأخضعوا العدالة لهم، لأنفسهم، فكانت حياة البشر لا تساوي عندهم أكثر من طعنة خنجر أو قذيفة مدفع، فإن كان التاريخ يعلّم فلنتعلّم منه ليس من أجل البشير بل من أجل صالح هذه الأمة التي تتكالب عليها الأمم، فبالأمس القريب حبس رئيس في غرفة داخل مقر مهدّم ومحاصر بالدبابات، وأسقط رئيس حتى وجد في حفرة ثم أعدم، وهذا رئيس ثالث مطلوب القبض عليه، وكلهم عـرب.