عن الكذب الدولي

باسل رفايعة

شاهدت مقابلة على «الجزيرة» مع مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لويس أوكامبو الأربعاء الماضي، وقبلها قرأت التقرير الأخير لوزارة الخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم، ووجدت أن الدول العظمى تكذب من دون حياء، حينما تكون على يقين تام بأنه لا أهمية للصدق والحقيقة، ما دام المتضرر من الكذب هامشيّاً وضعيفاً، ولا يستطيع المساهمة في تدوين حرف واحد في تاريخ تؤلفه هي كيفما شاءت.

التقرير الأميركي يصل بقارئه سريعاً إلى نتيجة مباشرة، وهي أن الولايات المتحدة التي يعول العرب عليها كثيراً في صنع السلام لا تعتبر الفلسطيني إنساناً ذا حقوق، أبسطها أن يعيش ويأكل ويشرب ويذهب أولاده إلى المدارس، من دون أن تسلبه إسرائيل هذه الحقوق، وإن فعلت ذلك، فإنما للدفاع عن النفس، أما إذا جُرح إسرائيلي متعثراً في حفرة قرب منزله في تل أبيب فذلك من ضروب «الإرهاب» الفلسطيني.

كذب مبين، يعجز العرب دائماً عن الرد عليه، مثلما يعجزون في الدفاع حتى عن أنفسهم حين تعلو النبرة الأميركية عن الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإن فعلوا فإن إعلامهم يعرب عن «أسفه» أو «استيائه» من تقارير الخارجية الأميركية، ولا أحد يستفيد من دروس الماضي والحاضر الأشد هشاشة وأسى.

لا بأس.. هذه حال الضعيف. أما القوي فإنه يقتل في أيام قليلة 1455 إنساناً، ويجرح 5000 إنسان، مستخدماً أسلحة أميركية، بينها الفسفور الأبيض، ويرى عضو «ليبرالي» في الكونغرس الأميركي أن ذلك القوي «ربما أفرط قليلاً في استخدام القوة»!

إسرائيل المحمية دائماً وأبداً في تقارير الخارجية الأميركية قتلت في غزة 404 أطفال و115 امرأة في بيوت ومستشفيات ومدارس، ويستطيع أي طفل أن يتوقع السطور التي سيصف بها تقرير وزارة هيلاري كلينتون هذه الجرائم، إذ إنه في كل الأحوال لن يعتبرها انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان. لأن الإنسان هنا فلسطيني، والقاتل إسرائيلي، يقتل دائماً لسبب مشروع!

بالطبع لن تتحرك المحكمة الجنائية الدولية إلا استعراضاً للتعاطي مع مجازر إسرائيل في غزة وفلسطين، فهي تحركت باتجاه دارفور في السودان، وضد عمر البشير، ولم تعتبر مذبحة قانا جريمة حرب ضد الإنسانية عام ،2006 لأن المجتمع الدولي يمنح إيهود أولمرت حصانة مطلقة حين يقتل ويقرر إنهاء حياة البشر!

أوكامبو الذي كان فرحاً جداً بصدور مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني، أجاب عن سؤال لـ«الجزيرة» عن وصفه للجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، وهل هي ضد الإنسانية؟ بأن على الحكومة الفلسطينية أن تثبت ذلك! أي أن تثبت أن نحو 7000 فلسطيني بين قتيل وجريح ماتوا في مذبحة، وليس في حادث مرور!

الآن، وفي كل آن، يستطيع العرب أن يفعلوا شيئاً قبل أن يدهمهم الانقراض. ليس عليهم أن يتحركوا من أجل فلسطين أو السودان أو العراق، بل من أجل ألا يذهبوا إلى النسيان مثل أمة استعذبت الهوان تلو الهوان فذهبت وئيداً إلى أرشيف التاريخ.. واستراحت إلى الأبد.

 

baselraf@gmail.com

تويتر