الشعر ديوان العرب

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إذا قرأتم شيئاً من كتاب الله فلم تعرفوه فاطلبوه في أشعار العرب؛ فإن الشعر ديوان العرب. وكان إذا سئل عن شيء من القرآن أنشد فيه شعراً، وقد سأله نافع بن الأزرق وصاحبه نجدة بن عويمر الحروري مسائل كثيرة في التفسير، وجعلا الشرط عليه أن يأتي لكل كلمة بمصداقها من كلام العرب، فأجابهم عن ذلك بما يطول ذكره، وجمعه الإمام السيوطي في الإتقان.

هكذا هو الشعر في لغتنا العربية العرباء، التي تمتاز على اللغات الأخرى بجودة السبك، وحلاوة النطق، وموسيقية الأداء.

العربية التي هي لغة القرآن، وهي اللسان المبين، والمنطق الجميل، التي أثنى عليها القرآن الكريم في غير ما آية كقوله {قُرْآَنًا عَرَبِيا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلهُمْ يَتقُونَ} وقوله{وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدقٌ لِسَانًا عَرَبِيا) وكم وصف الله القرآن بكونه عربياً! ليدلل على كبير فصاحته، وجزيل إشارته، وعظيم بلاغته، لذلك فإن الشعر يأتي منها جزلاً بديعاً، يعرب ويطرب، يشنف الأسماع، ويثلج الصدور، ويزهي النفوس. تسمع البيت البليغ منه فيستهويك سماع الكثير منه، حتى ممن لم يعرف الشعر ولم يعانه كسيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد، عن أبيه، قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال «هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟»، قلت: نعم، قال «هيه -يعني أنشدني منه». فأنشدته بيتاً، فقال «هيه» ثم أنشدته بيتاً، فقال «هيه»، حتى أنشدته مائة بيت من شعره،حتى قال «إن كاد في شعره ليسلم».

هذا وهو صلى الله عليه وسلم ما كان يقول الشعر وما ينبغي له؛ لأنه نبي يوحى إليه، ولئلا يقول الجهال: إن ما يأتي به من وحي، هو من قبيل الشعر، فعصمه الله عنه، لكنه كان يستلذ سماعه ويتخذ لنفسه شاعراً بل شعراء، ولربما شجعهم على ذلك، وأجازهم ولو ببردته الشريفة، وكان يقول لحسان بن ثابت رضي الله عنه «اهجهم وجبريل معك» يشجعه على الشعر؛ لأنه سلاح مضاء لقتال الأعداء، فقد قال له يوماً «اهج قريشاً، فإنه أشد عليها من رشق بالنبل» لأنها تعرف وقع البيت، وهكذا شأن العرب قاطبة، فلربما ارتفعت قبيلة ببيت، أو انخفضت بآخر، فكان لابد للقائد من شاعر يمدح، وآخر يقدح، وثالث يفاخر، ورابع ينافح ويدفع اللسان بأخرى، ويكافئ القول بمثله، لذلك كان لابد من منتديات شعرية، ونوادٍ أدبية، ومهرجانات ثقافية، لتحافظ على لغتنا وأدبنا وذوقنا، فذلك شأن الحكماء والعلماء على حد سواء، كما قال ابن الوردي:

انظم الشعر ولازم مذهبي في اطراح الرفد لا تبغ النحل

فهو عنوان على الفضل وما أحسنَ الشعرَ إذا لم يبتذل!

غير أنه يتعين أن يكون الشعر المعروض مقبولاً غير مرفوض، وذلك أن يبالغ في تهذيبه لتتذوقه الأسماع قبل الأفئدة، فقد قالوا:

لا تعرضن على الرواة قصيدة ... ما لم تكن بالغت في تهذيبها

وإذا عرضت الشعر غير مهذب ... عدّوه منك وساوساً تهذي بها

فأملي أن نسمع من شعراء مهرجان الشعر الأول؛ شعراء من النوع الأول، وأن يكون كل واحد سابقاً أو مصلياً.

والله ولي التوفيق

 


❊ كبير مفتين بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي

تويتر