لا مانع من خفض الرواتب.. بشرط!!
صديق عزيز، وإضافة إلى كونه عزيزاً، فهو ضليع في أمور الاقتصاد والإعلام، علّق على مقال الأمس، والذي كان عن وضع سوقنا الغريب، الذي ترتفع أسعاره في وقت أصيبت فيه جميع أسواق العالم بتباطؤ اقتصادي، أدى إلى انخفاض الطلب إلى درجات لم يشهدها العالم من قبل.
يقول الصديق في رسالته النصية «القصيرة» كوصف للرسالة، لكنها غزيرة في معاني كلماتها: «دعني أزيد على كلامك ما يلي: اليورو والإسترليني انخفضا أكثر من 20٪ خلال الأشهر الستة الماضية، لكن أسعار الواردات الأوروبية تتزايد، وحتى أسعار المأكولات المستوردة من بريطانيا ودول أوروبا، زادت بما يراوح بين 15٪ إلى 20٪، وأسعار الملابس (الماركات) في الإمارات أكثر من أوروبا بنحو 50 إلى 60٪!!».
لا أعتقد أن هناك مبررات اقتصادية لهذا التناقض، كما لا توجد نظريات، فجميعها سقط مع الأزمة، وإلا فكيف يمكن تفسير ذلك، انخفاضات ضخمة جداً في دول المنشأ المصنعة للبضائع، وانكماش اقتصادي عالمي، ومصانع مهددة بالإفلاس، في حين بضائعها تباع في أسواقنا بزيادة 20٪ على سعرها الحقيقي!! ما يحدث ليس في مصلحة أحد، فالخروج من الأزمة المالية محلياً، يجب أن يقوم على أساس استمرار الدورة الاقتصادية العادية، تلك الدورة القائمة على أساس نمو قطاع البيع والشراء، والمعروف اقتصادياً بقطاع التجزئة، فهو المؤشر الحقيقي للاقتصاد ودورة المال، وتراجع هذا القطاع يعني باختصار خللاً كبيراً في الدورة الاقتصادية للمال، وذلك سيؤدي بالتأكيد إلى خسارة أفراد المجتمع، وخسارتهم تعني امتناعهم عن المساهمة في الشراء، ما يؤدي إلى خسائر مباشرة للتجار في مرحلة متقدمة، رغم الأرباح التي يحققونها حالياً بسبب مضاعفة أسعار السلع!!
الوضع الحالي يجب أن يجعلنا نفكر لأبعد من ذلك، فما المانع من الضغط على التجار والملاك لضمان تخفيض الأسعار والإيجارات لما يقارب الـ20٪، والعمل على عودة الأسعار إلى ما قبل الطفرة العقارية، وعندها لن يمانع أحد في تخفيض الرواتب والأجور بنسبة 15٪ أو أكثر.. نعم ما المانع من ذلك؟ إذا تراجعت الأسعار، وتراجع الإيجار، وتراجعت أسعار المحروقات، بشكل يسمح للموظف بتوفير حياة كريمة براتب شهري أقل!!
أليس في ذلك تخفيف على الناس؟ أليس هناك تخفيف كبير عن كاهل الحكومة أيضاً، فهي التي التزمت بزيادة الرواتب بنسب وصلت إلى 70٪ لمساعدة المواطنين والمقيمين على تحمّل أعباء ارتفاعات الأسعار الجنونية؟
ارتفعت الأسعار بشكل «هستيري»، فأصبح الناس يواجهون مشكلة حقيقية للتأقلم، فتدخلت الحكومة ورفعت الرواتب والأجور، وردة الفعل السريعة كانت ارتفاعات جديدة في الأسعار التهمت فروقات الرواتب.. أليس الوقت الآن مناسباً لإجراء عملية عكسية!! أعتقد أن الوقت مناسب جداً، فلننسَ النظريات الاقتصادية، فالأزمة المالية كشفت عن آخر ورقة توت كانت تسترها، ولنضع المصلحة العامة أمام أعيننا، والمصلحة العامة اليوم تقتضي العودة بالرواتب إلى وضعها الطبيعي، شريطة أن تعود الأسعار والإيجارات إلى وضعها الطبيعي أيضاً، وبالتالي لن يكون هناك خاسر واحد من هذه العملية.