من المجالس
المرور وحوادث الطرق في العالم كله هاجس وقضية، ولكنه عندنا قضية ذات أولوية. فالأرواح التي تزهق، والإصابات التي كثيراً ما تنتهي بإعاقات دائمة، والخسائر المادية التي تُهدر في شوارعنا، أصبحت تقارب خسائر الحروب والكوارث الطبيعية في دول أخرى. والنفس البشرية وسلامة الإنسان في عمومها غالية، ولكن مكانتهما في مثل مجتمع الإمارات الذي يشحذ الزيادة السكانية، تحتلان صدارة تصبح فيها الخسارة، لا سمح الله، مضاعفة، والتكلفة باهظة جداً جداً. وتكون الخسارة أكبر وأشد على النفس والمصلحة الوطنية، إذا كان الضحايا من شباب يعوّل عليهم الوطن كثيراً في رسم مستقبله، ويعلق عليهم الكثير من الآمال في دعم مسيرة تقدمه. الإحصاءات التي عرضتها وزارة الداخلية بشأن عدد الحوادث وأعداد الضحايا مفجعة ومؤلمة، وهي أكثر من ذلك مثيرة للقلق، وسبب القلق أن المشهد العام للوضع المروري في الدولة يكاد يكون مثالياً بالمقاييس العالمية. شوارع حديثة وواسعة وذات مواصفات عالية تتفوق على مثيلاتها في أكثر دول العالم تقدماً، وقواعد مرورية صارمة، وإجراءات ولوائح تنظيمية متطورة ومواكبة، وجهود مرورية جبارة، وسيارات ذات مواصفات عالية، ولكن تبقى معايير ومواصفات السائق الذي يقود السيارة ويستخدم الطريق، ويتصل بالقوانين والقواعد، هي مصدر الخلل في معادلة السلامة المرورية في شوارعنا. وبين الأغلبية المنضبطة والخائفة على نفسها وعلى غيرها توجد شريحة، ليست شاذة في عددها، ولا معزولة في حجمها. هذه الشريحة تنقسم بين سائق خائف أناني، مبدأه على الطريق «أنا ومن بعدي الطوفان»، يقود سيارته ببطء السلحفاة، ويتخشب على كرسيه ملتزماً بحارة واحدة من حارات الشارع لا يغيرها وإن اجتمعت خلفه كل سيارات الإسعاف والمواكب الرسمية. وسائق آخر متهور منفلت يرى في السيارة والشارع ومن حوله لعبة «فيديو جيم»، ويبدو كأنه على كرسي من نار، فيمشي في الأرض مرحاً، بل مزمجراً، يتمنى لو قفز بسيارته على ظهور كل السائرين معه. هذا وذاك كلاهما مصيبتان لاتزال إدارات المرور بقوانينها ولوائحها ونقاطها ودورياتها ومحاكمها غير قادرة على الحد من نتائجهما الوخيمة، ولذلك فإن الأرقام لاتزال في زيادة.