5 دقائق

الأخلاق أهم مقومات الإسلام، فما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق، وكل نبي كان قد بعث بذلك، وجاء سيد الأنبياء صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين، ليتمم هذه المرحلة الإيمانية التي تحفظ للإنسان كرامته وإنسانيته، وقد كان العرب أشد الناس حفاظا على تلك المكارم الخلقية، كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: «لقد جاء الإسلام وفي العرب بضع وستون خصلة كلها زادها الإسلام شدة، منها: قرى الضيف، وحسن الجوار، والوفاء بالعهد»، ومازالت القيم الخلقية متجذرة في عروق الأمة العربية، لاسيما في جزيرة العرب، مهما طرأ عليها من تطور حضاري وتقني، وانفتاح على الآخرين، فإن القيم الخلقية جزء من مكونها الأساسي، ولا يمكن أن تفرط بشيء منها مهما كثر التغريب، فهي التي أنجبت قادة الفتح الإسلامي الذين فتحوا البلاد، ونوروا العباد، وأدخلوهم في هذا الدين الذي توارثناه عن الآباء والأجداد، فلا يمكن أن تفرط أمتنا بقليله فضلاً عن كثيره..

فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ونحن بإذن الله باقون ما بقيت السماوات والأرض، ولا ريب فإن المعدن الطيب لا يضره ما يطرأ عليه من دخن، فالسفور والفجور ناهيك عن العري وبذاءة الأفعال والأقوال ليست منا ولا نحن منها في شيء، فهي وافدة، وتؤرق المشاعر العربية والإسلامية، لما فيها من ابتزاز للآخرين، الذين من حقهم أن يستمتعوا بجمال بيئتهم وينعموا بكريم حضارتهم، ويتلذذوا بهذه المدينة الخلابة التي لا يمل الناظر من رؤية نظافتها ونصاعتها، وبارع تشييداتها، وبارق صفائها، لماذا يحرم آباؤنا وأمهاتنا وبناتنا وأبناؤنا وأنفسنا من الاستمتاع بهذه الحضارة المشيدة الحديثة، ونحن أصحاب السيادة والريادة، إن ثقافة العري لا تعرفها البشرية إلا من عدوها إبليس الذي هو عدو الإنسانية، فهو الذي يتمنى أن ينشرها بين بني الإنسان ليفقدوا أخص خصائصهم الإنسانية في التكريم، وذلك ما حذر الله تعالى الإنسان منه، من أول يوم برز فيه الصراع مع الشيطان الرجيم، فقد قال سبحانه محذراً بني الإنسان من هذا الغزو الشيطاني بقوله: {يَا بَنِي آَدَمَ لا يَفْتِنَنكُمُ الشيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنا جَعَلْنَا الشيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}، وقد ميز الله تعالى الإنسان بتلك الزينة التي تواري عورته ليبقى كريما مصونا عن شياطين الجن والإنس، وذلك ما لا يبتغيه الشيطان العدو المبين، كما قال سبحانه مبينا ذلك: {فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَما ذَاقَا الشجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنةِ وَنَادَاهُمَا رَبهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِن الشيْطَانَ لَكُمَا عَدُو مُبِينٌ}، وقد مرت عليه قرون كثيرة كان قد يئس أن يحقق بغيته في الإنسان من ذلك العري الفاضح، حتى جاء عصر الانحلال الخلقي فحقق بعض مراده في الشرق والغرب، وأراد أن يصل إلى بيوتنا وبناتنا، إلا أن الله تعالى سيخيبه وأعوانه إذا أمعنا النظر وتمكنّا من تحصين أنفسنا ضد هذا الغزو الفكري.


❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية في دبي

تويتر