يريدون إعلاناً لا إعلاماً!!
كثيرون لا يريدون من وسائل الإعلام، سوى نشر الأخبار المتعلقة بالإنجازات وصور الافتتاحات وقصّ الأشرطة، فهم عملياً لا يفرّقون بين الإعلام والإعلان، فالاثنان عندهم واحد، بل هم في الأساس لا يريدون إعلاماً بقدر ما يريدون إعلاناً يحقّق لهم الشهرة والانتشار.
كثيرون يشملهم هذا الكلام، فمنهم مسؤولون حكوميون ومنهم مسؤولون في شركات خاصة، ومنهم مسؤولون في مستشفيات عامة وأخرى خاصة، اختلفت مواقع عملهم لكنهم يتفقون على الفكر المتعلق بكيفية التعامل مع وسائل الإعلام، لا يريدون قراءة سوى الأخبار الإيجابية المتعلقة بأعمالهم، وأعمال الشركات التي يعملون فيها، في ما عدا ذلك فإن الصحيفة تتحول فجأة إلى عدو لدود لو تجاوزت حدودها وتناولت أي خبر سلبي يضر بمصالح الشركة أو المستشفى، ولا يهم إن كان يضرّ بمصالح الناس!
هؤلاء ينظرون إلى وسائل الإعلام باعتبارها وسائل تشهير، ما لم تنشر الأخبار الصحافية الصادرة من مكاتب العلاقات العامة أو الخاصة التي يتعاملون معها بكثرة هذه الأيام.
التشهير هو التهمة الأولى التي تتردد على مسامعنا بشكل شبه يومي، سواء بشكل مباشر من هذه الفئة، أو على شكل رسائل «رسمية» من مكاتب المحاماة التي يتعاملون معها، ومن الواضح جداً أن هؤلاء ومحاميهم لا يعرفون إلى اليوم معنى التشهير، والفرق بينه وبين نشر أخبار وحقائق.. نشر خبر جريمة سرقة وقعت في محل شهير، يعتبره صاحب المحل تشهيراً لو تم ذكر اسم المحل، ونشر خبر عن مشكلة طلابية في مدرسة هو تشهير تستحق عليه الصحيفة العقاب من وجهة نظر صاحب المدرسة من دون أي نقاش، وكذلك الحال عند نشر شكوى أهل مريض من خطأ أو إهمال تعرّض له في مستشفى خاص، هو بالتأكيد تشهير وتشويه لسمعة المستشفى!
ولا يغفر لأي صحيفة نشرها مئات الأخبار الإيجابية، وأخبار الإنجازات والبطولات الخاصة بأي جهة أو شركة، اتهامها بالتشهير وبسوء نية عند أول خبر سلبي تنشره عن الجهة نفسها، لأن المطلوب من الصحف هو التطبيل والإعلان فقط، أما التحدث عن أخطاء أو عيوب، أو الانتقاد، فإن ذلك كبيرة من الكبائر التي تستدعي اللجوء فوراً للرد والتعنيف واللجوء إلى مكاتب المحاماة للتهديد والوعيد!
والغريب أن المسألة لا تقف عند نشر الأخبار كما ذكرت بالأمس، بل وصل التطاول على الصحف والتجرؤ عليها، لدرجة محاولة هذه الفئة، منع الناس من الشكوى بحجّة التشهير، ومنع الصحف من نقل وجهة النظر الأخرى المغايرة لوجهة نظرهم، لأن فيها اعتداءً وتطاولاً عليهم، فهم لا يريدون وصول أي صوت سوى صوتهم، ولا رأياً إلا رأيهم، وهم دائماً على حق، والناس مخطئون، ولأن الناس دائماً مخطئون، فإن نقل الرأي الخطأ هو تشهير وتشويه سمعة كما يعتقدون دائماً!
إعلام التطبيل هو الذي يريده البعض، بل لا يكفيهم اليوم هذا النوع فهم يريدون إعلاناً لا إعلاماً، يريدون وسائل إعلامية تنقل صوتهم وتخفي الأصوات الأخرى كافة.. فهل هذا النوع من الإعلام هو ما نريده لمواصلة طريق التقدم والتنمية والارتقاء بمستوى الخدمات في القطاعين العام والخاص في الدولة؟!