ليس المطلوب مديراً يابانياً!!
«المدير التنفيذي لشركة طيران اليابان، قام وبمحض إرادته باستقطاع جزء كبير من راتبه الشهري، مساندة للشركة التي يعمل لديها، ومؤازرةً لموظفيه وتشجيعاً لهم على الاستمرار في العمل بإخلاص لتجاوز الأوقات الصعبة، كما قام بإزالة جدار مكتبه حتى يستطيع جميع الموظفين مشاهدته ومقابلته في أي وقت، وليشعرهم بأنهم سواء ولا توجد فروق بينهم».
أصبح هذا المدير التنفيذي يستخدم باص المواصلات العامة، ويركب مع عامة الناس، بل ويقوم بشراء ملابسه من محال «التخفيضات» بدلاً من بدلات «أرماني» التي كان يلبسها في السابق.
هذه الكلمات وغيرها هي جزء من رسالة إلكترونية وصلتني أمس، من مواطن إماراتي في اليابان، لا أعرف بالتحديد إن كان طالباً أم تاجراً أم في زيارة خاصة، المهم أن قصة هذا المدير المنشورة في صحيفة «جابان تايم» لفتت انتباهه وفضل إرسالها مع خاتمة من عنده، قال فيها «لن تصدق يا أخي سامي أنه يقوم بالصعود إلى الطائرات، وهو المدير التنفيذي للشركة، ويقوم بمساعدة المضيفين في تخزين المجلات والصحف، وإعداد الوجبات للركاب تشجيعاً لموظفيه، ويقوم أيضاً بالاصطفاف في الطابور مع الموظفين في الكافتيريا لتناول وجبة الغداء، تاركاً وراءه كبرياء وعنجهية المديرين العرب»!!
من جهتي، أتفق مع الأخ المرسل في الاختلاف الكبير بين العقلية اليابانية والعربية في مجال الإدارة بشكل عام، وفي مسألة تحمل المسؤولية تحديداً، وعدم إلقائها أو «تلبيسها» فوراً للموظفين الصغار، وهو ما يعتبر ظاهرة عامة في كثير من الجهات والمؤسسات!
وبالطبع لن نطالب مديرينا التنفيذيين بتتبع خطى أهل اليابان، فليس المطلوب الخروج من المكاتب ومساعدة الموظفين الصغار في إنجاز المعاملات، ولا بيع سياراتهم واستخدام المواصلات العامة عوضاً عنها، ولكن نطالبهم فقط بتحمّل المسؤولية، والتعامل مع الأزمة بعقلية واعية، وتخطيط سليم.
المطلوب، الآن، العمل بشكل جدي على تقديم المصلحة العليا للوطن، على المصالح الشخصية، والتركيز على تجاوز الأزمة بعيداً عن التنافس، والتنافر، والتمسك بالمبادئ والسياسات الخاطئة التي كشفتها هذه الأزمة في مختلف دول العالم.
الأزمة المالية ليست كلها جوانب مظلمة، فالمدير الياباني كيّف نفسه معها، وتنازل عن بدلة الـ«أرماني» واصطف في طوابير المواصلات، ووقف يطلب «الساندويتشات» من الكافتيريا، ومديرونا أيضاً مطلوب منهم التكيّف مع الأزمة، ليس بالضرورة في اتباع نهج المدير الياباني لكن من خلال الاستغناء عن كثير من الكماليات التي لا لزوم لها في أماكن العمل، وتصحيح الأخطاء الإدارية والمالية، التي لم تكن ظاهرة للعيان، وأصبحت الآن واضحة ملموسة بسبب الأزمة العالمية.
لا يمكن المكابرة، ولا الاستمرار في الخطأ، كما يجب ألا تأخذنا العزة بالإثم، فالمصلحة العليا، الآن، تحتّم على الجميع إعادة الحسابات، وإعادة التقييم، وإعادة تكييف الوضع العام، بما يتلاءم مع المعطيات الجديدة، وأعتقد أنّ لا سبيل لتجاوز هذه الفترة العصيبة دون ذلك.