الأم.. غياب الحضور
أحن إلى خبز أمي..
وقهوة أمي..
ولمسة أمي..
في يوم الأم الاحتفالي تهدر قصائد محمود درويش حنيناً إلى أمه التي كانت الحاضرة الغائبة في حله وترحال.. حنيناً إلى الأيام الخوالي كانت فيها الذكرى مرتبطة بعواطف صادقة وخصوصيات جميلة.. ولكن ماذا عن جيل اليوم من أطفال وأمهات.. مَن مِن أمهات اليوم تحب أن تخبز لصغارها بيديها، أو أن تحضّر القهوة أو حتى أن تذهب بهم إلى مدارسهم مُلوحة بالحب والحنان.
أطفال اليوم حسب دراسة أجريت أخيراً هم نتاج مربيات دخيلات، فقد غابت الأم عن الحضور في حياة أطفالها، وليس العمل هو شماعة التبريرات، فحتى الأمهات ربات البيوت يؤثرن أن يعهدن بصغارهن إلى مربيات غريبات لا يعرف من أية بيئة أو مجتمع جاءت، فجرائم العمالة المنزلية التي تتزايد كل يوم لها أيضاً أسبابها حين تغيب الأم وتلقي للعاملة بكل مسؤولياتها ومسؤوليات الصغار والبيت.
أية ذكريات هذه التي ستتكون لدى الصغار عن أمهاتهم.. أي خبز أو أية لعبة مشتركة أو اهتمام عظيم هذا الذي سيذكره رجل الغد فيحفظ لها جميلها ويفي لها بعد موتها ويدعو لها دعوة ابنٍ بارٍ صالح.
لن يلام الطفل اليوم.. رجل الغد إذا جاء يوماً ما وبحث هو الآخر عن مربية لصغاره من دون أن يلحظ أن زوجته مخلة بواجباتها وغير قادرة على إنجاز معجزة صغيرة ومفعمة بالحب وهي تربية الأبناء من دون أن تشاركها مربية أو مربيات قادمات من شتى أصقاع الأرض، وأي حنين هذا الذي سيبحث عنه ذات غربة وهو لم يعرف من أمه سوى أوامرها وصوتها البعيد وشكلها الصوري في البيت.
بالتأكيد مازالت هناك أمهات جديرات بالاحترام واستطعن أن يحفرن في ذاكرة صغارهن الكثير من التفاصيل الإيجابية، ولكن في المقابل أيضاً هناك أبناء ضحايا لاستهتار الوالدين معاً، فكلاهما مسؤول ولكن للأم صوتها الأميز والأكثر تأثيراً، لذلك كانت وصية رسولنا الكريم بالأم ثلاث مرات أكثر من الأب. للدولة دورها أيضاً، فكيف لأم أن تعنى بصغارها وإجازة الوضع لا تتجاوز الشهرين، هناك من الأمهات العاملات من هنّ أشد حاجة لوظائفهن فكيف لها أن تحافظ على دورها وهي محاصرة بوظيفة واشتراطات قاسية مجحفة في حقها، ثم نطالبها بأن ترعى رضيعها وتحتفظ بوظيفتها وراتبها الشهري. تحقيق الرعاية الاجتماعية المسؤولة لهذه الأم الموظفة مطلب ملح وأساسي لتمكينها من أداء دورها المناط بها من دون تقاعس أو تسويف.
حري بنا جميعاً أن نحتفي كل يوم بأم حقيقية اهتمت واعتنت وأطعمت وصارت أماً بفعل المعنى ومضمونه العميق.