«شغلة من لا شغل له»
كشفت دراسة استطلاعية ألمانية جديدة أن 15٪ من الألمان تلوك ألسنهم الآخرين مرات عدة في الأسبوع، وأن 18٪ لا يفوّتون يوماً من دون السخرية من عيوب الآخرين. وأضافت أن معظم هذه الحالات ناجمة عن حسد العيش وملاحقة أخطاء الآخرين. واعترف 35٪ ممن شملهم الاستفتاء أنهم يسلّطون ألسنتهم يومياً أو مرات عدة في الأسبوع على جيرانهم وزملائهم في العمل.
هذا الخبر الصحافي ذكّرني بحكمة ألمانية تقول «عندما يعوي الذئب يرفع رأسه نحو السماء»، لماذا ينظر الذئب إلى السماء عندما يعوي؟ لأنه لا يتجرأ على توجيه عوائه نحو خصومه، والحال ينطبق على من يمارس الغيبة والنميمة في الغائبين ولا يجرؤ على قول ما اغتابهم به أمامهم، وليس من المستبعد أن يغتابك وينمّ عليك من قام باغتياب ونمّ الآخرين إليك، أو يبالغ في مدحك أمام الحاضرين في وجودك ثم يسارع إلى ذمك بمجرد انصرافك! فثمة أناس لا اهتمام لهم سوى ذكر عيوب الآخرين أو تلفيقها في كثير من الأحيان. ولدينا حكمة عربية رديفة للألمانية تقول «سلاح السافل النميمة».
أسوأ أنواع الاغتياب هي تلك التي تتداول أثناء أوقات العمل الرسمي، فهي تدل على فراغ تلك الثلة من الموظفين الذين من المفترض أنهم يقضون ساعات أطول مع زملائهم في العمل من عائلاتهم وأهلهم في البيت لأداء أعمال رسمية لا اغتيابية! أحد الأصدقاء الأعزاء أخبرني أنه يفكر جدياً في الاستقالة من جهة عمله بسبب وسامته التي جعلت الكثيرات من زميلاته في العمل يروجّن الشائعات غيبة ونميمة حوله، وأنه على علاقة غرامية مع فلانة وعلانة من الأقسام الأخرى، على الرغم من أنه شخص شديد الخجل من النساء، وحاول الانعزال عن الجميع في أثناء تأديته لمهام عمله فانعكس الأمر بالسلب وأدى إلى ازدياد الأقاويل والتآويل حوله، فأخذ إجازة طويلة هرباً من هؤلاء النمامين والنمامات كارهاً العمل ومن فيه.
صديق آخر أخبرني بقصة طريفة حصلت في جهة عمله، ملخصها أن أحد مديري الأقسام قام باغتياب مدير قسم آخر وتعديد عيوبه وسلبياته أمام المدير العام الحديث التعيين، فقام المدير العام على الفور بالاتصال بالطرف الآخر عبر مكبر الصوت وقال له إن زميله الفلاني أمامه الآن وهو يقول عنك كذا وكذا وكذا، فهل صحيح هذا الكلام؟ نفى الطرف الآخر ما قاله زميله عنه، وشعر المغتاب بالحرج الشديد من هذا الموقف غير المتوقع من المدير العام، واستقال في ما بعد بفترة وجيزة.
من المعروف عن الألمان أنهم يتميزون بمهارات رفيعة المستوى وبالدقة في التنظيم وبالصرامة في كل شيء، ولكن وعلى الرغم من صرامتهم أظهر الاستطلاع أنهم يغتابون الآخرين! هؤلاء هم الألمان فما بالك لو تم إجراء استطلاع شبيه لدينا فكم ستكون النتيجة؟ قال تعالى: {ويلٌ لكل هُمزةٍ لُمزةٍ}.
salemhumaid.blogspot.com