من المجالس
مقابل باب مدرسة نموذجية بمدينة أبوظبي اختار أحدهم دكاناً، في المبنى الوقفي الملحق بمسجد الحي ليفتح فيه «كافتيريا» للوجبات السريعة والمرطبات، يجاوره محل بقالة. كلا المحلين اللذين يُحسد صاحباهما على دقة الاختيار، يمتلآن بالأولاد فور إطلاق جرس نهاية اليوم الدراسي، فيبدو المبنى مثل «قرقور» تداعت عليه الأسماك الجائعة. وبعد دقائق ينتشر الأولاد في الشارع وعلى الرصيف وقد حملت أياديهم يميناً وشمالاً من شطائر وعصائر ومشروبات غازية وأكياس رقائق البطاطس والذرة، وغير ذلك مما حوته قوائم المطبخ المشبع بأدخنة الزيت المحروق والبهارات المتنوعة، وما حملته أرفف الدكان من معلبات وأغذية ومشروبات يُقال الكثير عن اضرار الإفراط في استخدامها ولا يُفعل حتى القليل للحد من هذا الإفراط وصد الأخطار والأضرار. وبعد أن تمتلئ البطون تعاف النفوس وجبة الغداء المفروش سماطها في البيت انتظاراً لاكتمال حلقة العائلة. وهكذا يتكرر المشهد في كل يوم أو في معظم أيام الأسبوع. ثم يؤدي إلى تحول في الذوق الشخصي لهؤلاء الفتية، فتزيد الرغبة في النوع نفسه من الوجبات ليكون العشاء من جنس الغداء، فيتغير النظام الغذائي جملة وتفصيلاً، وتصبح الأجساد عرضة لتركيبة تلك المواد الغذائية المسرطنة والمضرة والتي تقع خارج حدود الرقابة الفعلية والمتفحصة لتركيبتها ومكوناتها. ثم نجلس بعد ذلك انتظاراً لتلقي أخبار جديدة عن أمراض خطيرة، وأرقام إضافية من المصابين. تلك «الكافتيريا»، وذلك «السوبر ماركت» أمام تلك المدرسة «النموذجية» ليسا يتيمين في المشهد، ولا وحيدين في الصورة. وبعيداً عن المدارس تمتلئ الأحياء بمثل هذا الخطر، تزيدها أخطار مطاعم الوجبات السريعة ذات الأسماء العالمية التي تسيّدت محطات التزود بالوقود واستفادت من إمكاناتها العالية في توصيل الأكل إلى المنازل في سباق مع محال المرطبات على اصطياد شهية الأولاد والبنات. هذه الأخطار لاتزال ينظر إليها من باب التجارة، ولذلك ستكون الصحة العامة مستباحة وإن تم إحضار كل مستشفيات العالم المتقدم لعلاجنا.