من المجالس
في دبي عقول حية لا تتوقف عن التفكير ولا تدير ظهرها للأزمات، وقلوب قوية من حديد لا تنكسر أمام الصدمات. عقول قادرة على التعامل مع الأزمات، وقلوب قادرة على امتصاص الصدمات، فتكون إرادة لا تتزحزح للمحافظة على الإنجازات وصيانة المكتسبات التي بذل في سبيلها الكثير من الجهد والمال.
والسبب أن دبي، والإمارات قاطبة، لم تستثمر أموالها فقط في البنايات والفنادق كما يظن الكثير ممن تعمدوا تسطيح التجربة وتشويه النتائج إن بسوء قصد ونية أو بسوء فهم. و إنما كان، ولايزال، الاستثمار في الموارد البشرية.. أي في الإنسان الذي تدور حوله كل مشكلة، وينبع منه أصل كل حل لأية مشكلة، ويتجه إليه كل إنجاز، وهو الصانع أو المحطم لهذا الإنجاز.
ولذلك فإن الإمارات عموماً، ودبي خصوصاً، ونظرا لتنوع مصادر دخلها الوطني وتعدد عناصر تكوينها الاقتصادي، فهمت منذ البداية علاقتها بالأزمة التي بدأت تجرف الاقتصاد العالمي، وبدأت في وقت مبكر بإدارة الأزمة بواقعية وحذر، متكئة على قدراتها الاتحادية التي توفر لها العمق الاستراتيجي، ومتصرفة بمرونة اعتادت على احترافها والتصرف وفقاً لها في أوقات اليسر قبل أن تأتي الأزمة العالمية بأوقات العسر.
والموارد البشرية التي كانت أكبر مشروعات الإمارات وأهمها، والإنسان الذي استطاع أن يفكر ويدير كل المشروعات الاقتصادية الأخرى في وقت الطفرة والرخاء، هما الآن من يأخذ بزمام أمور الخطط التنموية والتطويرية لتحافظ على المفيد الدائم، وتعيد النظر في المفيد الطارئ، وتراجع التوجهات، وتعيد توجيه المسارات بكثير من الاعتراف بالمستجدات، والتعامل معها بفكر جديد يعيد العربة للتقدم من جديد دونما حاجة إلى اندفاع شديد.
وقد أظهرت الأزمة الاقتصادية أن الزبد يذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وتأهيل ابن الإمارات كان دائماً هو الهدف الأول والمشروع الأهم في فكر الآباء المؤسسين لدولة الاتحاد، ويستمر الآن بشكله المؤسسي المنظم في فكر قيادة الدولة على جميع المستويات، وهذا يجعل تجربة الإمارات في تنمية الموارد البشرية مثالاً يطلبه الآخرون.