«غسلوا شراعه»
في اللهجة المحلية واستيحاء من بيئة البحر والنواخذة يقولون «غسلوا شراعه»، وفي الكويت يقال «لعنوا بوخامسه» إمعاناً في بهدلة خامس جد، وفي المملكة العربية السعودية يقال «قطعوه تقطيع» تيمناً بنسك أول أيام الأضحى، وفي العراق يقولون «شكّوه على البطانة» أي جَعلُ جلده للداخل وأحشائه للخارج، في بيان لغوي صولاغي فريد، وفي مصر يقال «اخدت اللّي وانا جاي» من وحي خان الخليلي، وفي الأردن حيث يعرف أهلها معناها يقال «شلّو سماي»، وقليلاً عبر النهر في المكان الذي هاجر إليه قوم موسى يقال «عبدوني العجل»، وفي المغرب العربي «ادابزت» من الفعل دبز، وقد فاتت على من صف لسان العرب، الا أنها أقرب معنى لـ«اتخنقت» بالسودانية .
كل هذه الحصيلة العربية اللغوية التي تنم عن حس مرهف ورقاقة في التعبير تتفق فيه الشعوب التي لن تتفق، كل هذه الحصيلة لا تفلح في التعبير عن شعوري وأنا أحاول الاستمتاع بإجازة آخر أسبوع بريئة، في ظل ما أسمعه عن أزمة عالمية طاحنة تأتي على الأخضر واليابس.
كنت أمني نفسي بأن الشوارع فارغة فاستغرقت مسافة الخمسة عشر كيلومتراً مني أكثر من أربع ساعات، بمعنى آخر لو كنت سمعت نصيحة والدي والتحقت بالجيش لقطعتها عدواً، في مدة أقل من نصف ذلك الزمن بكثير، أما العودة فلم تتم بعد ومازلت أكتب من «كوفي نت»! منيت نفسي بأسعار تفضيلية وحسومات فأتت الأسعار العادية على محصول الشهر وشيء غير يسير من مؤونة الشهور المقبلة،
منّيت نفسي بصحوة جماعية في الجمعيات التعاونية فرأيت أسراً من بضعة أفراد يسحب كل واحد من أفرادها ـ بلا مبالغة ـ سلة ملأى الى فيها (أي فمها) بما في ذلك البشكارة والسائق، ظننت أن الكل سيأكل في منزله، وفوجئت بالمطعم الذي قصدته يضع اسمي في ذيل قائمة من 34 اسماً ويبلغني بأنهم سيتصلون بي إذا فرغت طاولة ما. منيت نفسي باحتساء شيء من كرك بهدوء على الشاطئ المفتوح الا أن شاطئ اسكندرية في عز حر الثمانينات كان أكثر هدوءاً وأقل ازدحاماً بكثير.
أنا شخصياً لا أفهم في الاقتصاد الحر، كما يسمونه الا بقدر ما يعرفه «مستر بين» عن الهريس، فلا أعلم ما معنى السندات بعيدة الأمد وهل هي وطنية أم قطاع خاص؟ ولا أدري هل أزمة الائتمان اسم على اسم ووقع حافر على وقع حافر، أم أن لها علاقة ببطاقة الائتمان التي أحملها؟ ولا أفهم لماذا يذكر اسم البنك المركزي في كل نشرة أخبار بينما لا أعرف زميلاً قام بفتح حساب لديه؟ وأستغرب عندما أرى مؤشرات خضراء وحمراء في سوق الأسهم ولا يوجد أي مؤشرات برتقالية رغم أن أصحاب الأموال أولى الناس بالتمهل بين كل خطوتين!
ولكنني أفهم تماماً بأن ما سمي بالأزمة أفرز حقداً دفيناً على النجاح، وكثيراً ما يحقد القريب قبل البعيد، وعبقري هو تصوير الشاعر العربي «ما صرح الحوض عما في أسافله.. من راسب الطين الا وهو مضطرب.. أغضب صديقك تستعلم مودته.. للسر نافذتان السكر والغضب»