من المجالس

عادل محمد الراشد

الخلافات بين الدول العربية لن تختفي، وإن عقدت لها ألف قمة وقمة. وهذا ليس بالضرورة داء لا دواء له، فالخلافات موجودة بين معظم الدول التي تجمعها قواسم مشتركة أو تحالفات سياسية واقتصادية أو كلها. لكن الفرق بين العرب وغيرهم هو في كيفية التعايش مع هذه الخلافات، بحيث لا تؤثر في المصالح المشتركة والخطط المشتركة والطموحات المشتركة. الفرق أن الدول العربية والقيادات العربية، تصرّ على معالجة هذه الخلافات بإجراءات عاطفية. ولذلك، إن كل حكم في إطار العلاقات العربية ـ العربية، يقوم على مسوغات وحيثيات وأفعال وردود أفعال تحكمها العاطفة، بعيدا عن تحكيم المصالح المشتركة والالتفات إلى المصير المشترك. فيما بين الدول الأوروبية ما صنع الحدّاد من رواسب تاريخية، وصور نمطية، وأحقاد عاطفية، لكن هذه الخلافات التي لا تزال موجودة، وكثيرا ما تطفو إلى السطح، لم تمنع الأوروبيين من التكتل، ليس في إطار الاتحاد الأوروبي فقط، وإنما في الكثير من تفاصيل المشهد الدولي. وقد كانت الخلافات موجودة وظاهرة في مواقف قادة الوفد الأوروبي الذي زار غزة و «إسرائيل» في أعقاب العدوان الصهيوني على غزة، لكن هذا الخلاف لم يمنع الوفد من التحدث بلسان واحد، وطرح موقف واحد أمام الطرف الفلسطيني والعدو الإسرائيلي. ومثله و أكثر فيما بين دول حلف الناتو تجاه معظم قضايا الصراع الدولي. لكن ذلك لم يمنع كل دول الحلف من التضامن والظهور كتلةً في جميع النزاعات والأوضاع التي كان الحلف فيها طرفا. الاختلاف في مواقف الدول سنّة المشهد السياسي وتوابعه، ولكن الدول المتمكنة تضع هذا الاختلاف في نصابه، فتفرز مكوناته، تاركة العواطف والمشاعر للتسجيل فقط، بينما تضع المصلحة عنوانا لتوظيف الاختلاف والتعامل معه. وإذا أصرت الدول العربية أن تعطل كل المشاريع التي تهم الإنسان والبلدان والمستقبل، والمطروحة على جداول الاجتماعات العربية منذ أكثر من 50 سنة إلى ما بعد تحقيق المصالحة الكاملة و التأكد من النيات و التفتيش في المقاصد، فإنها إشارة التأكيد أن لغة المصالح لن تأتي إلى الأبد، وأن مؤجلات جداول أعمال القمة ستزداد قوائمها طولا، وذلك ببساطة لأن المصالحة بمعناها العاطفي لم تتحق ـ و لن تتحقق ـ إلى الأبد.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر