استعادة المثقف

زياد العناني

ليس أمام المثقف العربي أي بديل اجتماعي آخر يخص معناه المحدد في ما قاله ادوارد سعيد، حين تطرّق إلى تراجع دوره ووظيفته المفترضة. فالمثقف وبكل توصيفاته سيظل موجوداً، وإن بات دوره هامشياً في الوقت الحاضر بحكم جرأة السلطة في رسم صورته من حين الى آخر. غير أن هذا الرسم غير الملون أو المشمول بالأبيض والأسود لن يكون في يوم من الأيام متحفياً أو محشواً بالشمع، خصوصاً وأن المتحول هو الذي يحصل على مساحة أكبر من مساحة أخيه الثابت، ولو من خلال تشويه معناه وحشره في خانة لزوم ما لا يلزم.

إلى أي مدة تستطيع السلطة أن تكون مظلة في عصر التداعيات الكبرى؟ وهل يمكن لها أن تمارس هذا الدور عبر الميديا ووسائل التخويف التي تذكرنا بالغول أو الغولة.

ثمة مثقفون كثر سقطوا على الطريق، غير أن التاريخ أو المعلم مايزال يقول لنا أن كثيراً من الغايات اللاأخلاقية كانت السبب الرئيس في انهيار السلطات التي لا ترى، ولا تريد أن ترى غير ذيلها.

ثمة سلطات سقطت من العيون، وأخرى تنتظر، وبين السقوط والانتظار لابد من منطقة ربما تكون في عقل المثقف ووعيه الذي يفترض أن يعرف كيف تتحرك الأجسام المادية في الهواء، ويعرف أن شكله القديم لم يسقط في خيالنا على الرغم من سقوط الدول التي نصفها الآن كما «نصف ألماً في الاسنان».

على المثقف أن يخلع ملابس النوم ويقود العربة والحصان معاً. وعليه أيضاً أن يمثل أفكاره خير تمثيل من دون أن ينسى أهمية مرجعية مظاهر السلطة بكل ما تحدثه من بناء أو خراب، اضافة إلى إعادة تأكيد وجوده بعيداً عن الانطواء ومعاداة المحيط الذي يعيش، بحجة الابتعاد عن حراك «العامة» والترفع عليهم، لأن التفاعل هو المطلوب، ومن خلال التفاعل يمكن أن ينتج الوعي المتحصل من مشاركاته ومن جهوده في جعل العمل الصعب سهلاً.

ثمة لغط وهلوسة تحيط الآن بأقوال المثقفين، خصوصاً حين يكون المثقف خارجاً من المحمولات الأيديولوجية التي قادته إلى نهايات مضحكة، وبناء على ذلك نحتاج الآن إلى المثقف المنتمي إلى الأفكار العظيمة أكثر من حاجتنا الماسة إلى المثقف المنتمي إلى الأيديولوجيات التي جعلت العالم مشحوناً بالكراهية، كما نحتاج إلى الإقرار بأن هناك تنوعات هائلة في الحياة لا يستطيع البعد السياسي وحده عزلها، والقذف بها خارج محيط الناس العاديين، بحجة الحفاظ على مكوناته المفترضة.

وهنا، لابد من القول إن على المثقف أن يلمس حرارة الناس، ويطل على أحلامهم بالسعادة والرفاه، وإن أي مثقف لا يأخذ هذا الاعتبار بالحسبان سيكون عبئاً على الإنسانية، هذا إن لم يتماثل مع قطاع الطرق أو القتلة، من أمثال سيموزا وهتلر ونيرون وبقية القتلة الذين لم يفرقوا بين الإبداع والتخريب.

 

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر