الوظيفة والتـجــارة
«صاحب البالين كذّاب»، فالبال الثاني يغش صاحبه أكثر عندما يتعلق الموضوع بما أؤتمن عليه من مصالح البلاد والعباد.والوظيفة العامة، مهما بلغ مستواها في الهيكل، أمانة تسلمها الموظف ليعطيها حقها ويؤدي حق المجتمع فيها. ويزداد ثقل الأمانة كلما زاد الموظف صعوداً على سلم المناصب، فتزداد مسؤولياته، ويعظم دوره، ويزداد تأثيره في المصلحة العامة.
الفريق ضاحي خلفان، القائد العام لشرطة دبي ،لا يترك فرصة لتأكيد هذه الحقيقة إلا واقتنصها ليؤكد ثوابت لم يخترعها في مفهوم الوظيفة العامة، ولكنه يشارك المهمومين في الصالح العام الهم نفسه. إلا أن الفريق ضاحي توقف، في دعوته الأخيرة للفصل بين الوظيفة والتجارة، عند فئة من «المسؤولين الشباب ممن درج على وصفهم بالصف الثاني تتمثل في اللهث وراء المال دون العطاء أو تقديم المقابل للدولة التي منحتهم مناصبهم».
وربما يحتاج الأمر إلى الإضافة على ما قاله قائد شرطة دبي بأن الأمر يتعلق بمن هم دون الصف الثاني في المسؤولية إلى مستوى موظفين عاديين، ومن هم أعلى من ذلك أيضاً. فالخلط بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة صار يمثل ثقافة ونمط تفكير لدى العديد من الموظفـين والمسؤولين. وهذا الخلط لا يقف عند حدود عدم الالتزام بالأداء المطلوب وبالأوقات المحددة أو باستخدام ممتلكات الوظـيفة فقـط، بل تعداه إلى مستوى ما أشار إليه الفريق ضاحي خلفان من لهث وراء المال، وتحويل مكاتب الحكومة إلى مقار لإدارة أعمالهم الخاصة.
وقد كان مثل هذا مجرد حالات فردية، ولكن في السنوات الأخيرة اتسـع مدى السلوك تحت ضغط ثقافة اللهث وراء المال، والتنافس في تجميع الثروات، واستسهال المسؤولية، شجعها غياب قوانين ونظم واضحة تضبط إيقاع الوظيفة، وتمنع الخلط، وتفصل بين العام والخـاص.
ولاشك أن الدعوة إلى منع الموظف من ممارسة التجارة لا تعني إبعاد المواطن عن الانخراط في الأعمال التجارية وتسجيل حضور أكثر على رقعة الاقتصاد الوطني، لكنها تعني الصدق في تحمل المسؤولية، والإخلاص في حمل الأمانة، ثم حماية المواطن نفسه من شر الوقوع في شباك البالين التائهين، فلا إجادة ولا تميز في الوظيفة العامة، ولا نجاح في العمل التجاري الذي غالبا ما يترك لإدارة الغريب أو المكفول الذي من خلاله يتم العمل، ومنه ترد التقارير وبه يعلو «البيزنس» أو يهوي إلى أسفل سافلين.