عن شهد وهدى وهند
تتكرر حوادث دهس الأطفال، وهم يغادرون حافلاتهم المدرسية، حاملين كتبهم وأقلامهم وفرح العودة إلى البيت. يموتون بألم تحت سواد العجلات المسرعة، ويتركون حسرة لا تنتهي. وفجأة تختفي من البيوت الضحكات والأصوات الجميلة، ويختفي الشغب اليومي، وتخلو مخادعهم من النوم اللذيذ، ومن الأحلام والمسرات.
الطفلة شهد الشيباني تُوفيت قبل أيام في الشارقة، وقبلها هدى غزال في رأس الخيمة، وكان حظ هند أفضل، إذ اكتفى السائق الذي صدمها بكسر جمجمتها في دبي. وألف سؤال يعصف في البال: هل يتحلى السائق بالكفاءة المطلوبة لكي يقلّ أطفالاً؟ هل قامت الهيئات المرورية بما يكفي ليعود الصغار عصراً إلى دُماهم وألعابهم وعيون عائلاتهم؟ هل يحرص السائقون على الوقوف أمام البنايات والمساكن، ويغلقون الطرق جيداً بما يكفي لتنزل الأقدام الصغيرة على الأرصفة، بعيداً عن رعب الإسفلت وتهور الآخرين؟ هل تفرض المدارس تدابير مشددة على مرافقي الباصات؟ ومن أين يأتي الموت إلى أجساد غضة، تكبر بالقلق والخوف والنذور؟
كان هناك مطبان صناعيان أمام منزل هند الشيباني في الشارقة، وهي غادرت باص المدرسة مسرعة، تريد أن تسبق إخوتها الثلاثة إلى البيت. السائق لم يغلق المسافة بين الشارع وبيت شهد فاندفعت سيارة مسرعة، وتجاوزت المطبين ودهستها في معبر ضيق.
لست في سياق تحليل مروري للحادث، ولكن مدرسة شهد التي اعتبرت الحادث «قضاءً وقدراً» هي التي روت ذلك، وحمّلت سائق السيارة المسؤولية، في إطار نفيها أي إهمال من طرف سائقها أو مشرفتها.
كأن المدرسة تريد أن تقول لنا إن شهد تتحمل مسؤولية موتها، لأنها أسرعت في سباق مع أشقائها إلى الغداء في البيت، أو لكي تفاجئ أمها بحضورها، أو لكي تختبئ من إخوتها في لعبة مأسوية أودت بها. فمن منا يتذكر آخر مرة كان طفله فيها يمشي؟ هل نراهم إلا راكضين مسرعين مملوئين بالحيوية والطفولة والرغبة الدائمة في اللعب والنشاط.. والشغف؟
كانت شهد الشيباني طفلة في عامها السادس، وهي ببساطة كانت تلعب، ولا تدرك الخطر، وليس مطلوباً منها ذلك، وليس من حق أحد أن يحمّلها مسؤولية اللعب. وعلينا جميعاً، آباءً ومدارس ومؤسسات ومجتمعاً، أن نتحمل مسؤوليتنا في الحفاظ على صغارنا من غياب الرقابة، ومن الإهمال، ومن التسيب في تطبيق المعايير والشروط اللازمة لحمايتهم من الموت المجاني على الطرقات.
موت طفل ليس حادثاً عادياً أو عرضياً، ويجب عدم الاستسهال في النظر إليه بوصفه «قضاءً وقدراً»، ونحن لم نأخذ بأدنى أسباب الحرص والحماية، فما يحدث يتطلب التحرك بسرعة لوقف هذه الكارثة. وزارة التربية والتعليم مسؤولة أولاً، فمواجهة المأساة بإنذار المدارس أو بتغريمها أو بتغيير تصنيفها غير مجدٍ، ولا يتلاءم مع حجم المصيبة في وفاة طفل، ولا يجوز غضّ طرف الرقابة عن النقل المدرسي في انتظار المخالفة، ومن ثم إيقاع العقوبات.
بالغ العزاء والمواساة لعائلتي شهد وهدى، ولكل أسرة مجروحة بفقدان طفل. وأرجو أن تتعافى هند من إصابتها، وتعود إلى مدرستها، وتتعافى معها القوانين والأنظمة والإجراءات من هذا الصمت والسكون!