أقول لكم
في الكويت تختلف الصورة مع كل زيارة، حتى وإن كانت سنة واحدة هي الفاصل بين زيارتين، في شهر أبريل من العام الماضي كان المشهد العام مشحوناً بالحديث عن إزالة الديوانيات المخالفة، المقامة على أراضي الدولة، وكان الصراع محتدماً، هذا يرفض، والآخر يناشد، والثالث يؤيد، والصحف تعكس المواقف الثلاثة بحسب تأثر أصحابها بالقرار، فالذي حصل على إنذار بإزالة ديوانيته يهاجم الحكومة واللجان المكلفة بالإزالة، ومن لم تسنح له فرصة الاستيلاء على الأرض المقابلة لمنزله يحرض الحكومة على تطبيق القانون على الجميع، ومن دفع «دم قلبه» في ديوانيته ينادي بأعلى صوته عله ينقذ ذلك الصرح الكبير الذي يتفاخر به، وقد كانت الديوانيات كذلك، فهي ليست «مجالس» لاستقبال الضيوف في المساء، بل هي أقرب إلى قاعات القصور، والبناء لا يعطي أي انطباع بأنه مقام على أرض مملوكة للدولة، وكل شخص بحسب نفوذه يتوسع حتى يقفل الشارع، وكانت جولة سريعة مع بعض الأصدقاء كفيلة بإيضاح الصورة التي أصبحت ضمن البرامج الانتخابية لمرشحي مجلس الأمة بعد حله في ذلك الوقت.
وهذه الأيام تعيش الكويت حالة سياسية مشابهة، فمجلس الأمة تم حله أيضاً، وأخبار الترشيحات و«التربيطات» والاجتماعات القبلية والحزبية التشاورية تملأ الدنيا في الصحف المحلية التي يزيد عددها على العشر، ولكن واحدة منها كانت كفيلة بتحويل الساعات الأولى لوصولي إلى الكويت، ظهر الأول من أمس، إلى جولة في العاصمة بضواحيها، فقد كان «مانشيت» الصحيفة من ثلاث كلمات هي «هدم بيوت الله»، وبعد القراءة والتحقق من كل الجُمل والكلمات، كان لابد أن أستغرب وأستهجن هدم المساجد، ولكن الجولة أعادتني إلى الواقع، وهو باختصار أن بعض أصحاب الديوانيات حوّلوا الأراضي الحكومية نفسها إلى مصليات بهدف التحايل على القانون، وتخيلوا أن يكون أمام كل بيت «صندقة» خشبية تحمل اسم مسجد، وفي الليل يتسامر فيها الأصدقاء، ومع ذلك لم تسلم لجنة إزالة التعديات من الكلام الذي وصل إلى حد التكفير، والسبب أن هناك انتخابات مقبلة بعد حل مجلس الأمة، والكل يبحث عن الأصوات، والكل يتقاطع مع الكل في الكويت، ومع ذلك تجد الكل سعيداً بذلك!