تركة درويش

خليل قنديل

مَنْ كان أول من أدخل مفتاح شقة درويش في العاصمة الأردنية عمّان في أُكرة بابه بعد موته، وعبر الفراغ البيتي الذي خلفه الشاعر الراحل درويش؟ ومَنْ الذي ترك رائحة الموت التي تذكر بالغياب والموت الأبدي، وذهب باحثاً عن أوراق الشاعر الذي تعوّد ألا يترك ورقة تدل عليه إلا قصائده المكتملة في كتاب؟ وهل حين خرج درويش من شقته متوجهاً إلى أميركا لإجراء العملية التي قتلته كان يعي ببوصلته الاستشعارية كشاعر أنه ذاهب إلى حتفه، وكان عليه أن يضع ديوانه الشعري الذي لم يكتمل في مكان سهل الاستدلال عليه من قِبل الأحبة والأصدقاء؟

وهل كان درويش من الفطنة بحيث يتصور أنه من الممكن لو توفي أن تتشكل لجنة تطلق على نفسها مسمى «أصدقاء درويش» كي تتولى هذا الديوان وبقية آليات التأبين التي أقيمت في غير عاصمة عربية؟

وهل فكر درويش ولو لمرة واحدة بالاحتفاظ بمسوّدات قصائده كي تتحول إلى إرث يستفيد منه الورثة حينما يتقدم العالم العربي ويصل إلى مستوى الإعلان عن مزادات لبيع مسوّدات الشعراء والكتاب أسوة بما يحدث في العواصم العالمية، خصوصا الغربية، كي تباع قصائده بحبرها وبتشكل حروفها اليدوية؟

أسئلة كثيرة تثيرها هذه الزوبعة الدرويشية التي اثارتها جهات كثيرة في الوطن العربي بعد صدور ديوان الشاعر محمود درويش الذي حمل عنوان «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي» بعد أن تم تجميعه من قِبل أصدقاء الشاعر الراحل وصدر حديثاً عن «دار رياض الريس».

حيثيات الزوبعة الدرويشية تقول إن مجموعة من الكُتّاب والشعراء العرب مثل شوقي بزيع ومحمد علي شمس الدين وديمة شكر تشير إلى أن الأخطاء التي رصدوها في الديوان هي أخطاء تتعلق بالوزن والتقطيع والتنقيط والتحريك ما كان يمكن للشاعر درويش أن يقع فيها لو كان حياً.

وفي الحيثيات المتتالية للزوبعة نقرأ في ما يشبه البيان التوضيحي للناشر رياض الريس كشفه عن ملابسات كثيرة حول الخطوات المتعثرة التي صدر فيها الديوان، مشيراً إلى أن الروائي اللبناني إلياس خوري الذي أُنيط به إعداد وتحرير ديوان درويش الأخير رفض تسليم النسخة الأصلية المكتوبة بخط الشاعر، موضحاً أنه اعتمد كناشر على النسخة الإلكترونية التي زوّده بها وكيل ورثة الشاعر درويش جواد بولس. ويكشف الريس في بيانه عن كتيب للروائي إلياس خوري، وصفه بـ«القصة البوليسية»، وزع مع الديوان تحت عنوان «محمود درويش وحكاية الديوان الأخير». كما يعرب عن استغرابه من إعلان السيدة ديمة شكر في صحيفة الحياة أنها تملك المخطوط الأصلي للديوان بخط الشاعر. إنها إذن تركة درويش التي ما أن بدأ الإعلان عن موته حتى بدأت تتبرعم في رؤوس الكثيرين حتى بدأت تكبر وتتعمشق كي تتحول من حالة المريد الذي كان يحيط بالشاعر حد الوله، إلى حالة الإحلال في مكانة الشاعر.

إن تركة محمود درويش في ديوان شعري لم يكتمل تشير إلى طبيعة عربية دهرية ومزمنة تعمل دائماً وحينما تغيب قامة الرمز وتستقر في لحدها، على محاولة قتل الرمز.

وما أكثر قتلة درويش!

khaleilq@yahoo.com

تويتر