كثير من «الإذعان»!

تحدثت كثيراً عن أسلوب «الإملاء»، وضخّ القرارات من أعلى من دون التفات إلى الأسفل لدى بعض الشركات العقارية، و«الأسفل» هنا المقصود بهم المستثمرون والمشترون من تلك الشركات، فهم بالفعل يحظون بمعاملة فوقية تجعلهم في وضعية أدنى من أي موظف صغير في شركة عقارية، مع أنهم يشكلون أهم شريحة في دورة المال، ونموّ العقار، الأمر الذي يتسبب في ضياع حقوق الكثيرين، والأهم من ذلك فقدانهم الثقة بالتعامل والتداول مجدداً في هذا القطاع، وهذا أمر غير مقبول.

لن أتحدث بشكل عام، فالأمثلة كثيرة، منها ما قامت به شركة عقارية شهيرة أخيراً،حيث أعادت صياغة العقود مع المستثمرين والمشترين، وأرسلتها إليهم للتوقيع فقط، طبعاً هذا يعد قانوناً «عقد إذعان»، لكن ذلك لا يهم كثيراً فمعظم ممارسات عدد من تلك الشركات فيها كثير من الإذعان.

تأتي مصلحة تلك الشركة في مجمل بنود العقد فوق كل المصالح، وتطمس في سبيل الحصول على المكتسبات المالية، كل حق يمكن أن يفسر في مصلحة المشتري، حيث ينص العقد على سبيل المثال بالآتي «يحق للبائع، والمقصود به «الشركة العقارية» طبعاً، في أي وقت أن يمدد تاريخ التسليم المتوقع لفترة تصل إلى 12 شهراً، على أن يقوم البائع بإبلاغ المشتري بذلك التمديد قبل شهر واحد على الأقل من تاريخ التسليم المتوقع»، أما المشتري فيلزمه العقد في الفقرة الثانية بأن «يقرّ ويدرك بأن البائع قد لا يكون قد بدأ بإنشاء البنية التحتية الخاصة بالبائع في تاريخ التسليم»، ليس هذا كل شيء، بل الأغرب والأعجب، ما جاء في الفقرة التالية والتي تشترط ما يلي «يجب تسليم البائع سعر الشراء وجميع المبالغ الأخرى المستحقة له بموجب هذه الاتفاقية كاملاً ومن دون أي نقص»!

يعني ذلك أن المشتري عليه الالتزام بدفع الدفعات المالية كاملة، من دون أن يكون هناك أي التزام من الشركة في تسليم المشروع، أو حتى البدء في أعمال البنية التحتية إلا حسب ظروفها، أو بالأحرى «مزاجها»، فهل مثل ذلك يعد أمراً مقبولاً؟

مادة أخرى تدل على قمة «الاستخفاف» بحقوق الناس تقول «في حال تخفيض مساحة البناء المسموح بها من قبل «البائع»، يستلم المشتري مبلغاً مسترداً «يتناسب» مع نسبة التخفيض». أما إذا حدث العكس أي «في حال زيادة مساحة البناء المسموح بها، يلتزم المشتري بدفع قسط بمعدل سعر الشراء «الأصلي».

بمعنى أوضح إذا أرادت الشركة بيع مساحات جديدة من الأراضي، فإن على المشتري دفع قيمة الأرض بسعر ما قبل ثلاث سنوات، أي سعر زمن الطفرة، أما إذا أرادت الشركة تقليص المساحة فانها ترد للبائع مبلغ الأرض بتسعيرة «اليوم»، أي سعر ما بعد الأزمة، فأي منطق هذا؟!

ليس تحاملاً على الشركات العقارية، لكن اتباع مثل هذه الأساليب مع المشترين والمستثمرين سيضاعف كثيراً من التأثيرات السلبية، وبشكل ربما يفوق تأثيرات الأزمة المالية، فالبيئة المناسبة، والثقة بالتعامل، والسمعة الطيبة، والصدقية والوضوح، هي أهم عناصر الجذب التي تهافت من أجلها المستثمرون للاستثمار في هذا القطاع، فإذا ضيّعت الشركات هذه الميّزات، فإنها ستكون أول وأكبر المتضررين من ذلك.

rayami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة