أقول لكم

الصحة قضية مجتمع، هي ليست قضية شخص أو بضعة أشخاص جمعهم همّ واحد، وليست أيضاً قضية مسؤول مهما كبر حجمه أو الاسم الذي يحمله، ولا يمكن أن تكون قضية كاتب حمل قلماً وأدلى بدلوه في هذا الشأن، وإن جاز لنا التعبير فهي، أي الصحة، تعتبر «أم القضايا» في كل المجتمعات، وتتساوى في ذلك المجتمعات والدول المتقدمة والمتخلفة، الغنية والفقيرة، الكبيرة والصغيرة، الحمراء والصفراء والسمراء والحنطية. هي الصحة، لا دخل لها بشكل العين أو اللغة أو الجنس أو الأصل أو الدين، هي اليوم، وهي الغد، وهي المستقبل إلى عشرات السنين المقبلة، فمن يمرض في الشمال يقابله مريض في الجنوب والشرق والغرب، ومن يعالج في مكان يجب أن يقابله علاج كذلك الذي يعيش في مكان آخر، وإذا اشتكى عضو في عائلة عاش كل أفراد العائلة مع الألم، ومن ينظر إلى المستشفى وكيف يتجمع الأقارب حول أسرّة مرضاهم يقدّر كم الهم الذي يعانيه الجميع، فالكل يخشى السرير الأبيض، والكل يخاف من نتائج تلك الأجهزة التي ترنّ وتطن، وترسم، والكل يتوجّس من النتائج ويحذر من التداعيات، والكل يريد أن يكون واقفاً عند رأس ذلك العزيز، يمسح بيديه على رأسه، ويقرأ عليه من الأدعية ما يحفظ، وكل دين ومذهب له أدعيته، وكل لغة تحمل من المفردات ما يطيّب خواطر أولئك الذين ينامون في المستشفيات، هكذا حال البشر، وحال كل الدنيا، وهي ليست حالة مخترعة، ولهذا إذا حملنا همّ الصحة فكلنا نحمل بذلك حياتنا وعيشنا والآتي لنا من الأيام على أكفّنا وداخل قلوبنا، فإذا وقفنا هنا، وأقول لكم، هنا في هذه الأرض عندما نقف عند صحتنا فإننا ننقل همّنا الخاص، والذي قد يختلف في بعض التفاصيل عن بقاع أخرى، فنحن لسنا دولة كبيرة، ولكننا أيضاً لسنا دولة فقيرة، ولسنا دولة متخلفة، ولكننا أيضاً لسنا دولة متقدمة جداً، إلا أننا دولة كريمة تعطي، ولا تتردد في الاهتمام بهموم الناس، وقد صرفت على الصحة ومازالت تصرف على الصحة، في الداخل ترصد مليارات الدراهم، وفي الخارج تدفع مليارات أخرى، ومع ذلك مازلنا نودّع مرضانا في المطارات وهم يغادرون، بآلامهم، ومازال مرضانا يتلفّتون حول أنفسهم في مستشفيات بعيدة جداً، هناك في بلاد لا تنتمي لنا ولا يعرفهم أهلها، هناك حيث لا يقف عند رؤوسهم من يمسح بيده وحبّه آلامهم، ولا يقرأ عليهم من الأدعية قريب أو حبيب!

 

myousef_1@yahoo.com

الأكثر مشاركة