إذلال معلن

باسل رفايعة

في الأزمة المالية العالمية، يستطيع الإنسان في العالم العربي أن يبعث من هاتفه برسالة نصية واحدة، تؤهله ليكون صاحب حظ وفير للمنافسة في مسابقة الأحلام التي تنظمها محطة تلفزيونات «إم بي سي».

قد يختارك الكمبيوتر فتصبح فجأة «الحالم السعيد»، وتحقق لك المحطة ما تريد: بيتاً جميلاً، سيارة فارهة، أو رحلة سياحية. ولكن عليك أن تدفع الثمن من كرامتك الإنسانية، ومن عَوْزك وحاجتك إلى ما تطلبه. عليك الظهور على المحطة أنت وعائلتك وأقرباؤك وجيرانك، والثناء على البرنامج الذي حقق أمنيتك، وجعلك سعيداً. وعليك ألا تنسى أن تشير إلى أنك كنت في حاجة شديدة إلى البيت أو السيارة، وأنك لم تكن تتوقع الفوز، ولولا المحطة لما كنت على ما أنت عليه من سعادة واستقرار نفسي وعائلي مؤكدين بهتافات أهلك وأصحابك فرحاً بفوزك، وانتصارك المؤزر، لمجرد أنك أرسلت رسالة نصية واحدة. طبعاً يذكرك الإعلان التلفزيوني بإرسال متكرر، لتضاعف فرصك بالنصر.

هذا ما يحدث في معظم الاستثمار الفضائي في العالم العربي، إذ لا مسابقات منتجة معرفياً، ولا منافسات على منحة دراسية، ولا على تغطية تكاليف بحث علمي، أو نشر كتاب وترجمته إلى لغات عديدة. فهذه مجالات لا يحتاج إليها المستهلك العربي، وتتطلب صعوبة هو في غنىً عنها، مادامت هناك شركات اتصال تشترك مع المحطات الفضائية في تحقيق أحلام سهلة، وجني أرباح سهلة، مدفوعة من الفقر والفاقة واليأس، والاستهتار بقيم العمل والإنجاز، وتحقيق الأهداف بتعب ومثابرة.

تبث «إم بي سي» حالياً الجزء الثاني من برنامج الأحلام، بعدما حققت في الجزء الأول أحلام ثلاثة محظوظين، ومع ذلك طبعاً مال وفير، لأن «الحلم» لا يكلفها شيئاً، فثمنه يتحقق في الأيام الأولى من إطلاق المسابقة، بفضل الكلفة المضاعفة مرات عدة للرسائل النصية التي توفرها شركات الاتصال في الدول العربية كافة.

في الجزء الثاني، تبث المحطة على قنواتها مراراً تسجيلاً للمحظوظة الأولى. وهنا سيدة عربية، تعرب ودموع الفرح في عينيها عن شكرها العميق للمحطة التي جسدت حلمها بامتلاك بيت، دفع ثمنه عملياً جزء يسير من كلفة رسائل الحالمين أمثالها. وفي لقطة أخرى تصطف عائلتها، وتهتف باسم المحطة، وتصفق للفوز، في مشهد يصور عمق الأسى الذي يعيشه العرب، وفداحة المتاجرة بأمنيات الناس، وتَوْقهم إلى تحقيق أشياء بسيطة، هي في حقيقة الأمر جزء من حقوقهم الإنسانية، لو كان هناك مَنْ يأبه للحقوق، أو لو كان هناك مَنْ يعنيه هدر الكرامة الإنسانية مجاناً، من أجل الدعاية والمال السريع، وترويج الوهم.

نتذكر قبل عامين أن الجامعة العربية ناقشت وثيقة عتيدة «لتنظيم البث الفضائي» في العالم العربي. وكان همها مزيداً من تقييد الحريات، والسعي نحو احتكار «المصلحة»، في ما يحق للعرب أن يشاهدوه، وما لا يحق لهم. المسوّدة الموءودة حفلت بكل ما هو ضد الحرية والانفتاح، ولم تكن معنية ولو من باب رفع العتب، بأن تشير إلى خطورة المتاجرة بحاجات الناس وأحلامهم، لأن ذلك يمس مصالح لا يصحّ الاقتراب منها.

وفي انتظار الفوز بالغنيمة من رسالة نصية فكل هدف، وكل فكرة محضُ لاجدوى منها في ليل الحالمين الطويل.

 

baselraf@gmail.com

تويتر