5 دقائق

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لا ريب أن الأزمة المالية كبيرة، والأكبر منها هو الهلع المصاحب، والجزع المراقب، والخوف الدائب، وسببه أن كثيراً من الناس يغفلون عن أصل وضع المال؛ من أنه يميل من شخص إلى آخر، ولا يظل دولة بين الأغنياء، بل كثير من الناس يمسي غنياً ويصبح فقيراً، والعكس كذلك، ومع ذلك، فإن كثيراً من الناس يرى أن المال معبوده وهواه، ودنياه وأخراه، وهو يعلم أنه ليس له منه إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى أو ما قدمه للأخرى، وهنا أهمس في أذن من آلمته حرقة نقص المال أو فقده قائلاً له:

يا هذا، لئن فاتك شيء منه اليوم، فذلك لأنه مال الله، والرزق بيد الله فهو الذي يغني ويقني، وهو الذي يعطي ويمنع، ويصل ويقطع، فلماذا أنت تجزع، والله هو الرزاق ذو القوة المتين، أما علمت أنك لو صبرت واحتسبت لآجرك الله خيراً، ورزقك كما يرزق الطير التي لا تجمع، وإنما تتسبب فتغدو خماصاً وترجع بطاناً، أترى أن الله يرزقها ويمنعك، وأنت المستخلف في أرضه المكلف بعبادته، المكرَم من بين بريته، أنت الذي خلق لك ما في الأرض جميعاً، وسخر لك الكون كله، تستخدمه في طبقات الجو أو في تخوم الأرض، أنت الذي سجدت الملائكة الكرام لأبيك آدم وأنت في ظهره وصلبه، وأنت الذي أعد لك جنات عدن، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أفيحزنك فقد دراهم معدودة أو أسهم محدودة ؟! أترى لو أنها بقيت وتكاثرت وتفاخرت بها أو بنيت وركبت وتمتعت منها بما شئت من متاع أليس كل ذلك إلى زوال، ولا يبقى لك من ذلك إلا ما قدمته لوجه الملك المتعال، فكم من الناس من هم أكثر منك مالاً، وأجمل منك حالاً، قد تركوا ما جمعوا وانقلبوا بما عملوا، لم يصحبهم إلى مستقرهم الأخير إلا ثوب سرعان ما أكله البلى، وحفنة من الثرى، فيا هذا هوّن على نفسك من ألم الفقد، وقل: إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، ألست أنت الذي جمعت هذا المال لتسعد؟ فإذا فاتك فلا تشقى بالأسف، أو تكدر نفسك وأهلك وولدك بوهم الإعسار، فإن الله تعالى قد منحك أكثر مما أخذ منك، فكم استمتعت بهذا المال وهو ماله، وكم سخّر لك من خلقه وهم عياله وفقراؤه، أفلا تسترجع لئلا يحل الوزر، وتشكر ذلك لتنال الأجر، فإن الله تعالى كما يختبر بالفقر فكذلك بالغنى، وكما يبتلي بالمرض فكذلك بالصحة، ألم يقل الحق:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشر وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. ألم يقل:{وَلَنَبْلُوَنكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأموالْ وَالأنفسِ وَالثمَرَاتِ وَبَشرِ الصابِرِين}. والابتلاء الذي لا بد منه لا يجزع له العاقل، بل يعد له رباطة جأش وقوة عزم، ويصبر على ما أصابه، كما كان يشكر على ما أعطاه، ولا يكثر من لو ولعل، بل يتيقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، كذلك هم المؤمنون كاملو الإيمان بالواحد الديان، فما بال من ابتلي بهذه الأزمة لم يكن كذلك ليسعد في حياته، ويستعد لمماته؟ فما خلق الله الموت والحياة إلا للابتلاء، والرضا بمُر القضاء هو أساس الإيمان، أفلا يعقلون فيسترجعون؟ لينالوا الأجر إن حرموا المال، فإن المصاب من حرم الثواب لا من فقد الأحباب من مال أو بنين.. اللهم أوزعنا شكر نعمائك وعافنا من بلائك، وإن ابتليت فصبّر وإن أخذت فأخلف، فأنت الغني الحميد الفعال لما تريد.

❊ كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دبي

تويتر